كتاب تفسير العثيمين: السجدة

الآية (١٧)
* * *

* قالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: ١٧].
* * *

قوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ} أيَّ نَفْسٍ تكونُ؛ لا مَلَكٌ مُقَرَّب ولا نَبِيٌّ مُرْسَل.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} وهذا نَفْيٌ لعِلْم الحقيقَةِ لا لِعِلْم المعنى، فإنَّ المعنى معلومٌ فيما أخفى الله من قُرَّة الأَعْيُنِ، لكنْ حقيقَةُ ذلك الشَّيْءِ مجهولة؛ ولهذا قال ابنُ عبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: "لَيْسَ في الدُّنْيا مِمَّا في الجَنَّة إلَّا الأَسْمَاءُ" (¬١) فنعلم أن في الجَنَّة نخلًا ورمَّانًا وفاكهةً ولبنًا وعَسلًا وماءً وخَمْرًا وطيرًا، وما أشبه ذلك، فنعلَمُ هذا من المعنى، لكنْ حَقْيقَةُ ذلك الشَّيْءِ مَجْهُولَةٌ.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ} ما أُخْفِيَ لهم؛ أي: حقيقةَ ما أُخْفِيَ، وليس معنى ما أُخْفِيَ، فالمعنى معلومٌ.
وقول المفسر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} ما تَقَرُّ به أَعْيُنُهم] قَرَّتْ عينُه بمعنى: جَمُدَت، وقَرَّت عَيْنُه بمعنى: سَكَنَت، فعلى الأوَّل تكون من القُرَّةِ والبَرْدِ؛ ولهذا يقال:
---------------
(¬١) أخرجه الطبري في تفسيره (١/ ٤١٦)، وابن أبي حاتم في تفسيره (١/ ٦٦)، وأبو نعيم في صفة الجنة رقم (١٢٤).

الصفحة 88