إنَّ المُراد أنَّ حَبَّةَ الخَرْدل قد تَكون في شَقٍّ مِن هذِه الصَّخرةِ.
وأنا شاهَدْتُ في الغضَا (¬١) يَخرُج فيه حُبَيْبَات بقدر الأُنمُلة خُضْر مَخْتُومَة تمامًا، إذا فتَحْتَها وجَدْتَ فيها دَابَّة، تَدُبُّ على بَطنِها، وهي مخَتُومة، وفي نَفْس الغُصْن، ليس فيها فتحة، يَعنِي: مخَلوقٌ مِنْها هذا الشَيْءُ.
قوله تعالى: {فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ} أي: أو في أعلى السَّموَات أو أَنزَلهِا، أو في الأرض في أعلاها أو أَنزَلهِا. قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ} أي: في أَخفَى مَكان مِن ذلك].
وقوله تعالى: {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ}: {يَأْتِ} بحَذْف الياء؛ لأنَّها جواب الشرط في قوله تعالى: {إِنْ تَكُ} فإنَّ {إِنْ} شَرْطِيَّة و {تَكُ} فِعْل مُضاخ مَجزُوم بـ (إِنْ) الشَّرْطِيَّة، وعلامَةُ جَزْمِه السُّكون على النون المحْذُوفة لِلتَّخْفِيف، وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأْتِ} جوابُ الشَّرْط مَجزومٌ بـ (إِنْ) وعلامَةُ جزمِه حَذْفُ الياء.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} فيُحَاسِبُ عليها] هذا مِن أَخفَى ما يَكُون، ومع ذلك قال تعالى: {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ}، ولم يَقُل: يَعلَمْهَا اللَّه؛ لأنه مِن لازِمِ الإتيانِ بِها العِلْم بها, لكن الإِتْيَان أبلَغُ، اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَأتِي بها ويُجَازِي عليْهَا، فقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأْتِ بِهَا} بمَعنَى أنها لا تَفوت ولا تَهْرَبُ منه، ولا بُدَّ أن يَأتِيَ بها ويُحاسِب عليها، أو يَأتِي بها لِيُظهِرَ قُدرَتَه عليها.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} بِاسْتِخْرَاجِهَا {خَبِيرٌ} بِمَكَانِهَا] المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ دائِمًا يُخَصِّص العُموم بِمُقْتَضَى السِّيَاق، والمعروف عند أهل العِلْم رَحِمَهُم اللَّهُ
---------------
(¬١) الغضا: شجر معروف. انظر تاج العروس (غضي).