كتاب تفسير العثيمين: لقمان
ويُعرَض عَنه، وقد يُقال: إنَّ الكافِر إذا جاءَك مُقبِلًا فأَقْبِلْ عليه، فإنَّ هذا مِن باب التَّألِيف على الإسلام، وأمَّا إذا أَعْرَضَ فأَعْرِضْ.
قوله تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا}: {وَلَا تَمْشِ} هذا مجَزُوم بحَذفِ الياء {فِي الْأَرْضِ} أي: على الأرض {مَرَحًا} قَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أي: خُيَلَاءَ]، فالمَرَح بمَعنَى: البَطَرِ والأَشَرِ والخُيلَاءِ مِن ذلك، فلا تَكون مُتبَخْتِرًا في مِشْيَتِك مُتَعَالِيًا في نفسِك، ولكنِ امْشِ مِشْيَةَ المتذَلِّل الجاضِعِ للَّه عَزَّ وجَلَّ، غَيْرُ المُتَعَلِّي على عِبَادِ اللَّه تعالى.
وقولُه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} ذَكَرَ هنا: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا}، فالأوَّل: في مُعَامَلَة النَّاس {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ}، والثاني: في هَيْئَتِه بِنَفْسِهِ ألَّا يَمْشِيَ في الأرْضِ مَرَحًا، وإنَّمَا يَمشِي كما يَمشِي عِبَادُ الرحْمَن: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: ٦٣].
قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} مُتبَخْترٍ في مَشْيِه {فَخُورٍ} عَلَى النَّاسِ].
قوله تعالى: {مُخْتَالٍ} أي: فَاعِل لِلخُيَلَاء، و {فَخُورٍ} أي: مُفْتَخِرٍ بِنَفْسِه، والفرْقُ بينهما أنَّ الاخْتِيَالَ يَكونُ بالنَّفْس، والفَخْر يَكون بالقَوْل، فهذا الرَّجُلُ عِندَه خُيَلَاءُ في نفسِه، واخْتِيالٌ على عِبَادِ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وعنده فَخْرٌ بلسَانِه يَفْخَرُ بنفسِه، ويَقول: أنا فُلَانُ بنُ فُلَان، ويَمْتَدِحُ نفسَه، ولكن هذا ما لم يَكُنْ في الحَرْب، فإن كَان في الحَرْب فلا بأسَ أن يَفْخَرَ الإنْسَان، كما قال النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
"أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أنا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ" (¬١)
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب من قاد دابة غيره في الحرب، رقم (٢٨٦٤)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين، رقم (١٧٧٦)، من حديث البراء -رضي اللَّه عنه-.
الصفحة 111