الِهجائية بمُقتَضى اللغة العربية ليس لها مَعنًى، فأَجزِم بذلك؛ لأن القُرآن باللغة العربية.
وإذا كان الأَمْر هكذا؛ فما الفائِدة من وُجودها في القُرآن؟
الجَوابُ: هذه هي التي قد نَقول: اللَّهُ أَعلَمُ بذلك، ولكن بعض أهل العِلْم التَمَس لهذا حِكْمة، بأنه إشارةٌ إلى أن هذا القُرآنَ الذي أَعجَزَكم ما أَتَى بحُروف جديدة حتى تَقول: واللَّهِ هذه ليسَتْ من حُروفنا، وإنما هو من الحُروف التي يَتَركَّب منها الكلام العرَبيُّ، ومع ذلك أَعجَزَكم.
قالوا: ولهذا لا يَأتي الابتِداء بهذه الحُروفِ الِهجائية إلَّا وبعده ذِكْر القُرآن، أو ما هو من خَصائِص القرآن: {الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ}، وهناك بعضُ السُّوَر مِثْل: {الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ}، {الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا}، ليس فيها ذِكْر القرآن، لكن فيها ذِكْر ما هو من خَصائِصه، فـ {غُلِبَتِ الرُّومُ} هذا من أمور الغَيْب، ولا يُعلَم إلَّا بالوَحْي، كذلك {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} هذا فيه إخبار عمَّن سبَق، وهو من أُمور الغَيْب أيضًا، {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: ٣].
وعلى كل حال: هذا الذي ذكَرْناه أخيرًا هو ما ذهَبَ إليه شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّةَ (¬١) رَحِمَهُ اللَّهُ وسبَقه إليه الزَّمخشَريُّ في كِتابه (الكَشَّاف) (¬٢).
* * *
---------------
(¬١) انظر تفسير ابن كثير (١/ ٧١).
(¬٢) الكشاف (١/ ٢٦).