كتاب تفسير العثيمين: لقمان

الآية (٦)
* قالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: ٦].
* * *

قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}: (مِن) للتَّبعيض، والجارُّ والمَجرور خبَر مُقدَّم، و {مَنْ يَشْتَرِي} مُبتَدَأ مُؤخَّر.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ يَشْتَرِي} مَعنَى الاشتِراء: الاختِيار، يَعنِي: مَن يَختار، وعبَّر عن الاختِيار بالاشتِراء إشارةَ إلى حِرْصهم على هذا الأَمرِ؛ لأن الاشتِراء إنما يَكون بالمُعاوَضة، فكأنهم لقُوَّة اختِيارهم هذا الشيءَ بذَلوا فيه أموالهم ليَنالوه.
وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} الفَرْق بين (يَشتَري) و (يَشْري) أن (يَشرِي) بمَعنَى: يَبيع، و (يَشتَرِي) بمَعنَى: يَبتاع، وعند الناس أن الشِّرَى هو الاشتِراء، وليس كذلك، قال اللَّه تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} يَشرِي نفسه يَعنِي: يَبيعُها، بدليل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: ١١١]، اشتَرَى أَنفُسهم فهم بائِعون.
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لَهْوَ الْحَدِيثِ} أي: ما يُلهِي منه عمَّا يَعنِي] {لَهْوَ} مُضافة إلى {الْحَدِيثِ} من باب إضافة الشيء إلى نَوْعه، فالإضافة على تَقدير (مِنْ) كما يُقال: ثُوبُ خَزٍّ، ثوبُ صُوفٍ، خاتَمُ حَديدٍ، خاتَمُ فِضةٍ، وما أَشبَه ذلك؛ فهي على

الصفحة 24