كتاب تفسير العثيمين: الزخرف

إذَن: الأَسَدُ هُنَا حقِيقَةٌ فِي مَوضعِها، وهِيَ تَدُلُّ عَلَى الشَّجاعَةِ، فبَدَلًا مِنْ أَنْ أقُولَ: رَأيتُ رَجُلًا شجَاعًا يَحمِلُ حَقيبَة، أقُولُ: رأيتُ أسَدًا.
وانتَبِهُوا لهذَا ففِيهِ فائِدَةٌ عظِيمَةٌ، وكثِيرًا ما يَحتَجُّ النَّاسُ فيقُولُونَ: كَيفَ لَا يَكُونُ فِي القُرآنِ مجَازٌ واللهُ يَقُولُ: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: ٧٧]، أَي: مَائِلًا، والجِدَارُ لَيس لَهُ إرَادَةٌ؟
فالجَوابُ:
أوَّلًا: نَمْنَعُ قَولَكَ: الجِدَارُ لَيسَ لَهُ إرادَةٌ. بَلْ لَهُ إرادَةٌ، بِلَا شَكٍّ، قَال اللهُ عَزَّ وَجلَّ: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: ٤٤]، فهَذه المخْلُوقَاتُ تُسبِّح بإرادَةٍ بِلَا شَكٍّ، وإِلَّا لَمْ يكُنْ فِي هَذَا ثَنَاءٌ عَلَى اللهِ.
ثَانيًا: نَقُولُ: مَا الَّذِي يَمْنَع الإرادَةَ فِي الجَمادِ والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثَبَتَ عَنْهُ أنّه قَال فِي أُحُدٍ، وهُوَ جَبَلٌ حَصًى: "جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ" (¬١) فأَثْبَتَ المَحبَّةَ لهذَا الجَبَلِ، والمَحَبَّةُ أخَصُّ مِنَ الإِرادَةِ.
ثَالِثًا: نَقُولُ: إرادَةُ كُلِّ شَيءٍ بحَسَبِهِ، فمَيلُ الجِدَارِ، يَعْنِي أنّه يُرِيدُ أَنْ يَسقُط، كمَيلِ الإنسَانِ، فنَعرِفُ أنّه يُرِيدُ أَنْ يَرْكَعَ مَثَلًا، ولَا مَانِعَ.
قَالُوا: إِذَنْ تَخَلَّصْتُم مِنْ هَذَا، فَمَا تَقُوُلون فِي قَولِهِ: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: ٢٤]، المعْنَى: تَواضَعْ لهما رحْمَةً بِهِما، فيقُولُون: الذُّلُّ هَلْ لَهُ جَنَاحٌ؟
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد، باب فضل الخدمة في الغزو، رقم (٢٨٨٩)، ومسلم: كتاب الحج، باب أحد جبل يحبنا ونحبه، رقم (١٣٩٣)، من حديث أنس - رضي الله عنه -.

الصفحة 101