كتاب تفسير العثيمين: الزخرف

وعَلَى هَذَا نَقُوُل: المُرادُ برَحْمَةِ اللهِ مَا هُوَ أعَمُّ مِنَ النُّبوَّةِ. يَعْنِي: النُّبوَّةَ، وسَعَةَ الرِّزقِ، والأمْنَ، وكثْرَةَ الأولَادِ، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فهُمْ لَا يَقْسِمُونَ هَذَا.
قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَينَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وهَذَا دَلِيلٌ حِسِّيٌّ لَا يُمكِنُ إنكَارُه. يَعْنِي: إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ هُمُ الَّذِين يَقْسِمُون رَحْمَةَ اللهِ فلْيَنظُرُوا {نَحْنُ قَسَمْنَا بَينَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أَي: قدَّرْنَاهَا هَذَا غَنيٌّ، وهَذَا فقِيرٌ، وهَذَا مُتوسِّطٌ، هَذَا قَادِرٌ، وهَذَا عَاجِزٌ، وقُريشٌ لَا تُنْكِرُ هَذَا؛ لأَنَّهُ شَيءٌ معلُومٌ مَلمُوسٌ محَسُوسٌ {نَحْنُ قَسَمْنَا بَينَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فجَعَلْنا بعضَهُم غنِيًّا، وبعْضَهُم فقِيرًا، وهَذَا مِثَالٌ، وإلَّا فنَقُولُ: وجعَلْنا بعضَهُم ضَعِيفًا وبعضَهُم قَويًّا، وبعضَهُم قَادِرًا وبعضَهُم عَاجِزًا.
قَال المفسِّر رَحَمَهُ اللهُ: [فجَعَلْنا بعضَهُم غَنيًّا، وبعضَهُم فقِيرًا {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ} بالغِنَى {فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}].
قولُه رَحَمَهُ اللهُ: [بالغِنَى] ولكِنْ هَذَا أيضًا مِنَ القُصُورِ، والصَّوابُ: أنَّهُ رَفَعَ بعضَهُم فَوْقَ بعْضٍ درجَاتٍ فِي الغِنَى، والعِلْمِ، والعَقْلِ، والخُلُقِ، وغَيرِ ذَلِكَ. رَفَعَ اللهُ بعْضَ النَّاسِ عَلَى بعْضٍ درجَاتٍ. أَي: درَجَاتٍ واسِعَةً.
{لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} قَال المفسِّر رَحَمَهُ اللهُ: {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ} الغَنيُّ {بَعْضًا} الفَقِيرَ {سُخْرِيًّا} مُسخَّرًا فِي العَمَلِ لهُمْ بالأُجرَةِ، واليَاءُ للنَّسَبِ، وقُرِئَ بكَسْرِ السِّينِ].
رَفَعَ اللهُ تعالى بعضهُم فَوْقَ بعْضٍ درجَاتٍ {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} يَقُولُ المفسِّر رَحَمَهُ اللهُ: [{بَعْضُهُمْ} الأغْنِيَاءُ {بَعْضًا} الفُقَرَاءَ] هَذَا قَاصِرٌ؛ لأَنَّ المُرادَ

الصفحة 131