كتاب تفسير العثيمين: الزخرف

يَكُونُ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ ولهَذَا قَال ابْنُ عبْدِ القَويِّ رَحَمَهُ اللهُ:
وحَافِظْ عَلَى دَرْسِ الْقُرَانِ فَإِنَّهُ ... يُلَيِّنُ قَلْبًا قَاسِيًا مِثْلَ جَلْمَدِ (¬١)
ومَا أكثَرَ الَّذِين يَشْكُونَ قَسوَةَ قُلُوبهِمُ اليَومَ؛ لأَسْبَابِ لَيسَ هَذَا مَوْضِعَ ذِكْرِهَا، ولكِنْ إِذَا أَحَسُّوا بقَسْوَةِ القَلْبِ فعَلَيهِمْ بالقُرآنِ، نَسأل اللَّهَ أَنْ يُليِّن قُلوبَنا.
ومنْ جهَةِ التَّأثيرِ أيضًا: فالقُرآنُ الكَرِيمُ رُقيَةٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ وكُلُّ مرَضٍ، فالقُرآنُ الكَرِيمُ دوَاءٌ لَهُ مِنْ كُلِّ مَرَضٍ:
المرَضُ القَلبيُّ؛ وهُوَ الشُّبْهةُ الَّتِي تَرِدُ عَلَى القُلُوبِ، أَوْ إرَادَةُ السُّوء، شِفَاؤُها القُرْآنُ.
المرَضُ الجِسْميُّ العُضْويُّ شِفَاؤُه القُرْآنُ، وقَد نزَلَ قَومٌ مِنَ الصَّحابَةِ -رضي الله عنهم- عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأَعْرَابِ، نزَلُوا ضُيُوفًا، ولكِنَّ هؤُلاءِ العَربَ لم يُضيِّفُوا الصَّحابَةَ، أَبَوْا أَنْ يُضيِّفُوهم، فتَنَحَّى الصَّحابةُ إِلَى جَانِبٍ، ونَزَلُوا، فسَلَّطَ اللهُ عَلَى سَيِّدِ العَرَبِ عَقْربًا فلدَغَتْهُ والمَتْهُ، فقَال بعضُهُم لبعضٍ: ألَا تَنظُرون إِلَى هَؤُلاء القَومِ لعَلَّ فيهِمْ مَنْ يَقْرأُ؟ ! فأَتَوْا إِلَى الصَّحابَةِ فقَالُوا: إنَّ سيِّدَهُم لُدِغَ، فهَلْ فيكُمْ مِنْ قَارِئٍ؟ قَالُوا: نعَمْ، فِينَا قَارِئٌ، ولكنَّنا لَنْ نَقْرَأَ عَلَيهِ -عَلَى هَذَا المَرِيضِ- إلا بقَطِيعٍ مِنَ الغنَمِ -لأَنَّ هَؤُلاءِ العَربَ لَمْ يُكرِمُوهُم، فأَرَادُوا أَنْ يَأخُذُوا حقَّهُم منْهُمْ- قَالُوا: ولكُمْ ذَلِكَ. فقَامَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحابةِ عَلَى هَذَا اللَّدِيغِ، وجعَلَ يَقْرَأُ عَلَيهِ الفَاتِحَةَ حتَّى قَامَ كأنَّهُ نُشِطَ مِنْ عِقَال (¬٢) والسَّمُّ قَدْ سَرَى فِي جِسْمِهِ، لكِنْ زَال هَذَا وَطَابَ؛
---------------
(¬١) انظر: الآداب الشرعية لابن مفلح (٣/ ٥٩٠).
(¬٢) أخرجه البخاري: كتاب الإجارة، باب ما يعطى في الرقية، رقم (٢٢٧٦)، ومسلم: كتاب السلام، باب جواز أخذ الأجرة على الرقية، رقم (٢٢٠١)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

الصفحة 14