كتاب تفسير العثيمين: الزخرف

وفَرْقٌ بَينَ الإثْبَاتِ والنَّفيِ، لكنَّ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى (لمَا) إِنْ قُرِئَتْ بالتَّخْفِيفِ فَـ (إِنْ) مخُفَّفةٌ مِنَ الثَّقيلَةِ، وإِنْ قُرِئَتْ بالتَّشدِيدِ فَـ (إِنْ) نَافِيَةٌ؛ فصَارَ اختِلَافُ الإِعرَابِ فِي (إِنْ) مَبنيًّا عَلَى اختِلَافِ القِرَاءَةِ فِي (لمَا) فعَلَى قِرَاءَةِ التَّشدِيد تَكُونُ (إِنْ) نَافِيَةً، وَ (لمَا) بمَعْنَى (إلَّا).
وشَاهِدُ هَذَا قَوُلهُ تعَالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيهَا حَافِظٌ} [الطارق: ٤] أَي: مَا كُلُّ نَفْسٍ إلَّا عَلَيهَا حَافِظٌ، وأمَّا إِذَا قُرِئَتْ (لمَا) بالتَّخفِيفِ فَـ (إِنْ) مخُفَّفةٌ مِنَ الثَّقيلَةِ، وتَكُونُ (مَا) زَائِدةً، ويَكُونُ التَّقدِيرُ: وإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لمتَاعُ الحيَاةِ الدُّنيَا. لأَنَّ (مَا) زَائِدَةٌ.
إِذَنْ {لَمَّا} فِيهَا قِرَاءَتَانِ الأُولَى التَّشدِيدُ، وبِنَاءً عَلَى هَذ القِرَاءَةِ تَكُونُ (إِنْ) نَافِيَةً و {لَمَّا} بمَعْنَى (إلا)، والشَّاهِدُ لهَذَا قَولُهُ تعَالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيهَا حَافِظٌ} [الطارق: ٤]، أَي: مَا كُلُّ نَفْسٍ إلا عَلَيهَا حَافِظٌ.
القِرَاءَةُ الثَّانيَةُ "لمَا" بالتَّخفِيفِ، وعَلَى هَذِهِ القِرَاءَةِ تَكُونُ (إِنْ) مخُفَّفةً مِنَ الثَّقيلَةِ بمَعْنَى (إنَّ) وتَكُونُ (لمَا) زَائِدَةً وَيكُونُ تَقدِيرُ الكَلَامِ: إِنْ كُلُّ ذَلِكَ لمتَاعُ الحيَاةِ الدُّنيَا. المُفسِّر رَحَمَهُ اللهُ دَمَجَ القِرَاءَتَينِ، ولكِنَّ هَذَا هُوَ التَّفصِيلُ.
قَال رَحَمَهُ اللهُ: [{مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يُتمَتَّعُ بِهِ فِيهَا -الدُّنيَا- ثُمَّ يَزُولُ {وَالْآخِرَةُ} الجَنَّة {عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}].
{وَالْآخِرَةُ} لَوْ قِيلَ: كُلُّ الآخِرَة الجَنَّة وعَرَصَاتُ القِيامَةِ وسَلامَتُهم مِنْ شِدَّةِ هَولِ القِيامَةِ، لَو قِيل ذَلِكَ لكَانَ أعَمَّ، فصَارَتِ الدُّنيا للكُفَّارِ مهما أُعطُوا فإِنَّهُ نَعيمُهُم، الآخِرَةُ للمُتَّقِينَ، جعَلَنِي اللهُ وإيَّاكُمْ مِنْهُم.
واعْلَمْ أن هَذِهِ الدُّنيا سِجْنُ المُؤمِنِ وجَنَّةُ الكَافِرِ، مَهما بلَغَتْ مِنَ النَّعِيمِ فإِنَّها

الصفحة 143