كتاب تفسير العثيمين: الزخرف

يَدْعُوَه، فالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ألَمْ يَدْعُ عَشِيرتَهُ الأقرَبِينَ، فلمَاذَا لَا يَدْعُوهُ؟ !
وقَال رَحَمَهُ اللهُ: [{وَإِنَّهُمْ} أَيِ: الشَّياطِينَ {لَيَصُدُّونَهُمْ} أيِ: العَاشِينَ {عَنِ السَّبِيلِ} أَي: طَريقِ الهُدَى {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}].
{وَيَحْسَبُونَ} أيِ: العَاشُونَ الَّذِين صَدَّتْهُمُ الشَّياطِينُ {أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} قَال رَحَمَهُ اللهُ: [فِي الجمْعِ رِعَايَةُ مَعْنَى (مَنْ)].
الشَّيطانُ -نَعُوذُ باللهِ مِنْهُ- إِذَا استَوْلَى عَلَى قَلْبِ الإنسَانِ زيَّن لَهُ سُوءَ عمَلِهِ، وظَنَّ أنَّهُ عَلَى حَقٍّ، ولكِنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ، وهؤُلاءِ هُمْ أَخْسَرُ النَّاسِ أعْمالًا، كَمَا قَال تعَالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: ١٠٣]، الجَوابُ بيَّنَهُ اللهُ، قَال: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: ١٠٤]؛ لأَنَّ الشَّيطانَ زِيَّن لهُمْ هَذَا، وقَال: أنْتُمْ عَلَى حَقٍّ، أنْتُمُ الأعْلَونَ. وسَوَّل لهُمْ، وأَمْلَى لهُمْ، حتَّى تَبِعوه.
ولهَذَا قَال رَحَمَهُ اللهُ: {وَإِنَّهُمْ} أيِ: الشَّياطينَ {لَيَصُدُّونَهُمْ} أيِ: العَاشِينَ {عَنِ السَّبِيلِ} أَي: سَبِيلِ الحَقِّ وطَرِيقِ الهُدَى].
{وَيَحْسَبُونَ} الوَاوُ تَعُودُ عَلَى العَاشِينَ {وَإِنَّهُمْ} أَيِ: العَاشِينَ {مُهْتَدُونَ} أَي: عَلَى هُدًى، وهَذَا غَايَةُ مَا يَكُونُ مِنَ الخُسْرَانِ -والعِيَاذُ باللهِ- أَنْ يَتَمَادَى الإنسَانُ بالبَاطِلِ، وهُوَ يَظُنُّ أنَّهُ عَلَى حَقٍّ.
قَال المُفسِّر رَحَمَهُ اللهُ: [فِي الجَمْعِ رعَايةُ معْنَى (مَنْ)] الجَمْعُ هُوَ قَولُهُ: {وَيَحْسَبُونَ}، {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ} ففِيهَا رِعَايَةُ مَعْنَى (مَنْ) فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَعْشُ} كَلِمَةُ (مَنْ) وَ (مَا)، ومَا أَشبَهَهُما مِنَ الأَلفَاظِ العَامَّةِ، يَجوزُ مُراعَاةُ مَعْنَاهَا ومُراعَاةُ لفْظِهَا،

الصفحة 150