كتاب تفسير العثيمين: الزخرف

وقَولُه: {أَجَعَلْنَا} أَي: صَيَّرْنا {مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} قِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِه بأَنَّ جُمِع لَهُ الرُّسلُ ليلَةَ الإسرَاءِ. يَعْنِي: وسأَلهم، لكِنَّ هَذَا القَولَ ضعِيفٌ؛ لأَنَّ جمِيعَ الأحادِيثِ الوارِدَةِ فِي الإسْرَاءِ لَيسَ فِيهَا هَذَا.
ثُمَّ إنَّ المَقصُود بالإِسْراءِ إظهَارُ شَرَفِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بَلْ هَذَا مِنْ مَقصُودِ الإسرَاءِ، إظهَارُ شرَفِهِ عَلَى الرُّسلِ، فكَيفَ يُوجَّه إليهِمْ هَذَا السُّؤالُ؟ ! فهَذَا القَوْلُ ضعِيف جِدًّا وَلَا وَجْهَ لَهُ.
وقِيلَ: المُرَادُ أُمَمٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابَينِ، وهَذَا أيضًا ليسَ بصَوابٍ يَعْنِي: هؤُلَاءِ يَقُولُون: المَعْنَى {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} يَعْنِي: اسأَلِ الأُمَمَ الَّذِين أُرسِل إلَيهِمْ، وهؤُلاءِ بَاقُونَ إِلَى بعْثَةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهَذَا ضعِيفٌ مخُالِفٌ لظَاهِرِ القُرآنِ، فالقُرآنُ يَقُولُ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} والأُمَمُ التَّابعَةُ للرُّسلِ فِيهِم مُشرِكُونَ، فالنَّصارَى أَقْرَبُ الأُمَمِ فِيهِمْ مُشرِكُونَ، فَلَا يَتَوجَّهُ سُؤالهُم مَعَ كونِهِمْ مُشرِكِينَ، هَذَا أيضًا ضَعِيفٌ.
قَال رَحَمَهُ اللَّهُ: [وَلَمْ يَسأَلْ عَلَى وَاحِدٍ مِنَ القَوْلَينِ]؛ لأَنَّ المُرادَ مِنَ الأَمْرِ بالسُّؤالِ التَّقرِيرُ لمُشرِكِي قُريشٍ، أنَّه لَمْ يَأتِ رَسُولٌ مِنَ اللهِ ولَا كِتَاب بعِبَادَةِ غَير اللهِ، هَذَا صَحِيحٌ، يَعْنِي: أن السُّؤال إنَّما أُرِيد بِهِ إلزَامُ قُريشٍ بأَنَّهُ لَمْ يَأتِ أحدٌ مِنَ الرُّسلِ بإبَاحَةِ عِبَادَةِ غَيرِ اللهِ، هَذَا المقصُودُ، وهَذَا كقَوْلِهِ تعَالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: ٩٤]، لكِن هُنا السُّؤالُ فِيهَا أعمُّ؛ لأنهُ قَال: {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} ولَمْ يَخُصَّ ذَلِكَ بالرُّسُلِ.

الصفحة 169