كتاب تفسير العثيمين: الزخرف

انْتَهَى الكَلَامُ عَنِ الآيَاتِ مِنْ حَيثُ اللَّفْظُ.
أمَّا مِنْ حَيثُ المَعْنَى: فاللهُ تعَالى أَقْسَمَ بالقُرْآنِ أنَّهُ جعَلَهُ باللُّغةِ العربيَّةِ مِنْ أَجْلِ فَهْمِهِ.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: جوَازُ القَسَمِ مَعَ تَأكُّدِ صِحَّةِ المُقسِمِ بدُونِ القَسَم، يَعْنِي: جَوَازُ أَنْ يُقسِمَ الإنسَانُ عَلَى الشَّيءِ مَعَ أن قولَهُ مَقبُولٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وجْهُ الدَّلالةِ: أن اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَقسَمَ وقَولُهُ مَقبُولٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وصِدْقٌ بِلَا يَمِينٍ، حينَئذٍ يَتَولَّدُ مِنْ هَذَا: كَيفَ يُقسِمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الشَّيءِ وهُوَ الصَّادِقُ بدُونِ قَسَمٍ؟
فنَقُوُل: لفَائِدَتَينِ:
الأُولَى: بيَانُ أَهميَّةِ هَذَا الشَّيءِ، وأنَّهُ جَدِيرٌ بأَنْ يُقسَمَ عَلَيهِ.
والثَّانيَةُ: أن القَسَمَ مِنْ فصَاحَةِ الكَلَامِ فِي اللُّغةِ العَربيَّةِ، فإِذَا كَانَ مِنْ فَصَاحَةِ الكَلَامِ فالقُرآنُ نَزَل باللُّغةِ العربيَّةِ، فيَكُونُ هَذَا مُطابَقَةً بأُسلُوبِ اللُّغةِ العَربيَّةِ.
وَيرِدُ على هَذَا القَسَمُ بالقُرآنِ: كَيفَ أَقْسَمَ اللهُ بالقُرآنِ مَعَ أنَّهُ لَا يجوزُ القَسَمُ بغَيرِ اللهِ؟
والجَوابُ عَلَى هَذَا: أن القُرآنَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللهِ، لأَنَّهُ كَلَامُ اللهِ، والقَسَمُ يجوزُ باللهِ وبالصِّفةِ مِنْ صِفَاتِهِ، فزَال الإِشْكَالُ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بيَانُ عظمَةِ القُرآنِ، لأَنَّ اللهَ لَا يُقْسِمُ إلَّا بشَيءٍ عظِيمٍ، بَلْ إِنَّ القَسَمَ نَفْسَهُ -كَمَا قَال مَنْ فسَّرهُ- تأكِيدُ الشَّيءِ بذِكْرِ مُعظَّمٍ بِصِفَةٍ مخصُوصَةٍ بأَحَدِ حُرُوفِ القَسَمِ. وحرُوفُ القَسَمِ ثَلَاثَةٌ: الوَاوُ، البَاءُ، التَّاءُ.

الصفحة 33