كتاب تفسير العثيمين: الزخرف

الآية (٤)
قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَينَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: ٤].
قولُه: {وَإِنَّهُ} الضَّمِير يَعُودُ عَلَى {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ}، وهُوَ القُرآنُ {فِي أُمِّ الْكِتَابِ} هُوَ اللَّوحُ المحفُوظُ، وسُمِّي أُمًّا؛ لأنَّهُ مَرجِعٌ لجَمِيعِ مَا يُكتَبُ مِنْ بعْدِهِ، والكِتَابَةُ أنواعٌ، والكِتَابَةُ العُظمَى العَامَّة الشَّامِلَةُ مَا كُتِبَ فِي اللَّوحِ المحْفُوظِ.
وقولُه: {لَدَينَا} أَي: عِنْدَنا، والظَّرفُ هُنَا حَالٌ مِنْ {أُمِّ الْكِتَابِ} يَعْنِي: أن الَّذِي لَدَى اللهِ -فِي هَذه الآيَةِ- هُوَ {أُمِّ الْكِتَابِ}؛ أَيِ: اللَّوحُ المحفُوظُ عنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وهُوَ محْفُوظٌ مِنَ التَّغِييرِ والتَّبدِيلِ، لأنَّهُ أُمُّ الكِتَابِ.
وأمَّا الكُتُبُ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الملَائِكَةُ فَفِيهَا تَغْييرٌ وتَبدِيلٌ، كَمَا قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٩].
وقولُه: {لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} أَي: ذُو عُلُوٍّ {حَكِيمٌ} أَي: ذُو حُكْمٍ وحِكمَةٍ، وَصْفانِ عظِيمانِ للقُرآنِ الكَرِيمِ وَصَفَ اللهُ بِهِمَا نفْسَهُ.
(عليٌّ) بمَعْنَى: عَالٍ، لكِنَّه أبلَغُ؛ لأَنَّ (عَليًّا) عَلَى وزْنِ (فعِيل) صِفَةٌ مُشبَّهةٌ، والصِّفةُ المُشبَّهة تَدُلُّ عَلَى الثُّبوتِ والاستِمْرَارِ.
و{حَكِيمٌ} أَي: ذُو حُكْمٍ وحِكمَة؛ فالقُرآنُ حَاكمٌ، والقُرآنُ مُشتَمِلٌ عَلَى حِكْمةٍ. ومعْنَى قَولِنا: (حَاكِمٌ) أنَّه مَرجِعٌ فِي الحُكمِ لا يُحكَم بغَيرِه، ومعْنَى (حَاكِمٌ)

الصفحة 43