كتاب تفسير العثيمين: الزخرف

لتَوالِي النُّوناتِ ووَاو الضَّمِيرِ؛ لالْتِقَاءِ السَّاكِنَينِ {لَيَقُولُنَّ} أَصْلُها قَبْلَ الحَذْفِ (لَتقُولُونَنَّ) عِنْدَنا ثلَاثُ نُوناتٍ، احْذِفِ النُّونَ الأُولَى؛ لأَنَّ حَذْفَها مُعتَادٌ، أَي: حذْفُ نُونِ الرِّفعِ مِنَ المُضارَعِ كَثِير، ولأَنَّ نُونَ التَّوكِيدِ جَاءَتْ لغَرَضٍ لَوْ حَذَفْنَاهَا لفَاتَ الغَرَضُ، وهُوَ التَّوكِيدُ، إِذَنْ: فنَحذِفُ نُونَ الرَّفْعِ، وهِيَ النُّونُ الأُولَى؛ لتَوالِي النُّوناتِ، ثُمَّ يَأتِي دَورُ الضَّمِيرِ (لتقُولُونَنَّ) الوَاوُ حَذَفنَاهَا لالتِقَاءِ السَّاكِنَينِ، السَّاكِنَانِ هُمَا: الوَاوُ السَّاكِنَةُ، والنُّونُ المُشدَّدةُ الحَرْفُ الأوَّلُ مِنْهَا سَاكِن، فتُحذَفُ الوَاوُ.
هَذَا التَّعلِيلُ هُوَ مِنَ النَّحويِّينِ لَا شَكَّ، وإلَّا فالرَّجُل العَرَبيُّ حينَما يَتكَلَّمُ بهَذه الكلِمَاتِ لَا يَخْطُرُ عَلَى بَالِهِ أنّه حذَفَ نُونَ الرَّفْعِ وحذَفَ وَاوَ الضَّميرِ ومَا أشْبَهَ ذَلِكَ. لكنَّ عُلماءَ النَّحو رَحمهم اللهُ يَلتَمِسُونَ التَّوجيهَاتِ لكَلَامِ العَرَبِ، فوَجَدُوا هَذَا التَّوجيهَ، ولَوْ قُلْتَ لهمْ: مَنْ خَلَقَ السَّمواتِ والأرْضَ؟ {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} انظُرِ الجوابُ -وهُو جَوَاب صَحِيح مِئَة بالمِئَةِ-: {خَلَقَهُنَّ} أَيِ: السَّمواتِ والأرْضَ {الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}.
وقَولُه: {الْعَزِيزُ} ذُو العِزَّةِ، والعِزَّةُ أبرَزُ معَانِيهَا الغلَبَةُ، يُقَال: عَزَّ فُلَان فغَلَبَ. ولها مَعْنًى آخَرُ وهُوَ: القَدْرُ، يَعْنِي: الشَّرَفُ والرِّفْعَةُ. ولها مَعْنًى ثَالِث وهُوَ: الشِّدَّةُ والصَّلابَةُ؛ ومِنْهَا قَولهمْ: أرْض عَزَاز؛ أَي: شَدِيدةٌ صُلبَة.
وإِذَا أَرَدْنا أَنْ نُطبِّقَ هَذه المَعَانِيَ عَلَى الوَصْفِ الَّذِي اتَّصَفَ اللهُ بِهِ مِنَ العِزَّةِ، فنَقُول؛ عزِيز مِنَ العِزِّ وهُوَ الغلَبَةُ، وعزِيز مِنْ عِزَّةِ القَدْرِ، ومعلُوم أن اللهَ عَز وجلَّ أعظَمُ قَدْرًا مِنْ كُلِّ شَيءٍ، وعزِيز مِنْ عِزَّة الشِّدَّةِ والصَّلابةِ والامتِنَاعِ؛ وذَلِكَ أن اللهَ تعَالى مُمتنِع أَنْ يَتَّصِفَ بأَيِّ سوءٍ وأَيِّ عَيبٍ.
وقَولُه: {الْعَلِيمُ} أَي: ذُو العِلْمِ التَّامِّ.

الصفحة 61