كتاب تفسير العثيمين: الزخرف

وتَأمَّل كَيفَ جَاؤُوا بهَذ العِبَارَةِ {الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} إشَارَةً إِلَى أنَّهُم مُوقِنُون بأنَّهُم أذِلَّاءُ أمَامَ اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأنَّ جَمِيعَ مَا فِي السَّمواتِ والأَرْضِ فإِنَّهُ صَادِرٌ عَنْ عِلْمٍ، قالُوا: {الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} وهَذَا الإقْرَارُ يُلزِمُهُم أَنْ يُقِرُّوا بأنّه لَا إِلَهَ إلا اللهُ، لكِنَّهُم لَمْ يَفْعَلُوا.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: فِيها دَلِيلٌ عَلَى أن المُشرِكِينَ يُقِرُّون بتَوحيدِ الرُّبوبيَّةِ لقَوْلهِمْ في الجَوَابِ: {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} والأمْرُ كذَلِكَ، وإقرَارُهم بتَوحِيد الرُّبوبيَّة يُلزِمُهُم أَنْ يُقِرُّوا بتَوحِيدِ الأُلوهيَّةِ، فيمال: إِذَا أَقْرَرْتُمْ أنَّهُ لَا خَالِقَ إلا اللهُ فأَقِرُّوا أنَّهُ لَا مَعبُودَ حقًّا إلا اللهُ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن للسَّمواتِ عَدَدًا؛ لقَولِهِ: {السَّمَاوَاتِ} وقَدْ جَاءَ فِي القُرآنِ الكَريمِ وفِي السُّنَّة النَّبويَّةِ أن عدَدَ السَّمواتِ سَبْعٌ، قَال اللهُ تبارَكَ وَتَعَالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [الطلاق: ١٢].
أمَّا الأرْضُ فلَمْ يَأتِ فِي القُرآنِ تصْرِيح بأَنَّها سَبْع، لكِنَّ ظَاهِرَ القُرآنِ كذَلِكَ، مِثْلَ قَولِهِ عَز وجلَّ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: ١٢]، فإِنَّ المُوازَنَةَ هُنَا لَا يُمكِنُ أَنْ تكُونَ بالحجْمِ ولَا بالقُوَّةِ؛ لأَنَّ السَّمواتِ أوْسَع وأعْظَمُ مِنَ الأَرْضِ وأقْوَى، فلَمْ يَبْقَ إلا العَدَدُ، وقَدْ جاءَتِ السُّنَّة صريحَةً في ذَلِكَ، فقَال النَّبيُّ عليهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرْضِينَ" (¬١)، والسَّمواتُ طِبَاقٌ، واحِدةٌ فَوْقَ الأُخرَى، وإذَا كَانَ واحِدةٌ فَوْقَ الأُخرَى
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب المظالم، باب إثم من ظلم شيئًا من الأرض، رقم (٢٤٥٣)، ومسلم: كتاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض، رقم (١٦١٢/ ١٤٢) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

الصفحة 62