كتاب تفسير العثيمين: الزخرف

والنُّورُ يَخْلُقُ الخَيرَ، هذ عَقِيدَةُ المَجُوس، وفي ذَلِكَ يَقُولُ المُتنبِّي فِي مَمدُوحِهِ:
وكَمْ لِظَلَامِ اللَّيلِ عِنْدَكَ مِنْ يَدِ ... تُخَبِّرُ أَنَّ المَانَويَّةَ تَكْذِبُ (¬١)
ظَلَامُ اللَّيلِ ظُلْمَةٌ، وَأنتَ أَيُّهَا المَمْدُوحُ لَكَ الْكَرَمُ فِي اللَّيلِ والنَّهارِ.
فقَولهم: {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} صَحِيحٌ لكِنْ لَيسَ حُجَّةً؛ ولهذَا قَال اللهُ عَزَّ وَجل: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ}.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن المُحتَجَّ بالقَدَرِ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ. وكَيفَ لَا يَكُونُ عنْدَهُ عِلْمٌ، وهُوَ يَعْلَمُ أنّه إنَّمَا وقَعَ بمَشِيئَةِ اللهِ؟
فالجَوابُ: هُوَ إنَّما عُلِمَ بعْدَ الوُقُوعِ، لكِنْ قَبْلَ الوُقُوعِ لَا يُعلَمُ؛ إِذَنْ لَا حُجَّةَ لَهُ، لأَنَّ الحُجَّةَ دَلِيلٌ، والدَّلِيلُ لَا بُدَّ أَنْ يَسبِقَ المَدلُولَ، فعِلْمُهُم لَاحِقٌ، ولَيسَ بسَابِقٍ.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن قَولهمْ هَذَا مَبنيٌّ عَلَى الكَذِبِ، لقَوْلِهِ عَز وَجلَّ: {إِنْ هُمْ إلا يَخْرُصُونَ} أَي: يَكْذِبُونَ. ولَنَا أَنْ نَقُولَ: {يَخْرُصُونَ} بمَعْنَى يَظُنُّون، كَمَا قَال اللهُ عَز وَجلَّ فِي آيَةٍ أُخْرَى {إِنْ هُمْ إلا يَظُنُّونَ} [الجاثية: ٢٤].
* * *
---------------
(¬١) ديوان المتنبي (ص: ٤٦٦).

الصفحة 95