كتاب تفسير العثيمين: الروم

الآية (١)
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الم}.
* * *

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: {الم} الله أَعْلَم بِمُرَادِهِ فِي ذَلِكَ] اهـ.
نعم، إذا لم نعلم شيئًا فالواجبُ أن نقولَ: "الله أعلمُ بما أرادَ"، وَهَذا قدْ قِيل أنَّه نِصْفُ العلْمِ (¬١)، لأَنَّ الإنسان إمَّا عالمٌ وإِمّا جَاهِلٌ، فإِذَا قَال فِيما يعْلَمُ بما عَلِم وفيما يجْهَل: "الله أعلم" صارَ نِصْف العلْمِ، ولَا شَكَّ أنَّ قولَ الإنسان: "الله أعْلَمُ" فيما لم يعلَمْه هُو الواجِبُ، فَلا تقُلْ: إِذا قلْتُ: "لا أَدْري" نقَص قدْرِي عندَ النّاسِ، فإنَّ قدْرَك عِنْد النّاس لنْ ينْقُص بل سيزْدَاد عنْدَهم، فكَمَا أنَّه لا ينْقُص عنْدَ الله فإِنَّهُ لَا ينْقُص عنْدَ النّاس؛ لأَنَّ النّبيّ عَلَيْهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يقول: "مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إلا رَفَعَهُ الله" (¬٢)، وَهَذا مِن بَاب التّواضُع للهِ أنَّك تقُولُ فِيما لا تعلَمُ: "لا أعلم"، وهُوَ نظِيرُ العفْوِ لا يَزِيدُ الإنسان إلا عِزًّا، ونَظِيرُ الصّدقَةِ لا ينْقُص بِها المالُ (¬٣)، فكَذَلِك قولُ: "لا أدري" لا ينْقُص بِه قدْرُ الإنسان في العِلْم، بَلْ يزْدَادُ لأَنَّ النّاس إِذا رَأَوْا هَذا
---------------
(¬١) أخرجه الدّارمي (١/ ٦٣) والفقيه المتفقه (٢/ ٣٦٩) عن الشّعبي في قولة: (لا أدري).
(¬٢) أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب العفو والتواضع، رقم (٢٥٨٨).
(¬٣) أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب العفو والتواضع، رقم (٢٥٨٨)، ونصه: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ الله عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لله إِلَّا رَفَعَهُ الله".

الصفحة 11