كتاب تفسير العثيمين: الروم

الطَّلاقَ يُستَحَبُّ لتَضَرُّر المرأةِ بالبَقاءِ مَع الزَّوجِ، فلَو كانَتْ تتضَرَّرُ ولا تسْتَأْنِسُ معَ الزَّوج لَا ينْبَغِي أنْ يُكْرِهَها عَلَى أنْ تَبْقى مَعَهُ، فإِنَّ بعْضَ النّاسِ - والعياذُ باللهِ - يُكْرِهُونَهنَّ عَلَى البقَاءِ أو يَعْضِلُونَهُنَّ لأجْلِ أنْ يفْتَدِينَ ويُسَلِّمْنَ مبالِغَ مِن المالِ مِنْ أجْلِ أنْ يُطلِّقَها، كُلُّ هَذا حرامٌ، والَّذي ينْبَغي إِذا رَأَيْتَ مِن الزّوْجَةِ أنَّها لا تسْتَطِيعُ أنْ تعِيشَ معَك عِيشَة سَعِيدَةً فيَنْبَغي لكَ أنْ تُطلِّقَها، والنّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُؤْمنٍ كرْبَةً مِنْ كربِ الدُّنْيَا فَرَّجَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كرب يَوْمِ القِيَامَةِ" (¬١)، ويقولُ - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ" (¬٢)، وَفي القُرْآنِ {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: ١٣٠]، فأَنْتَ إِذا نَوَيْتَ الخيْرَ بالتّوْسِعَةِ عَلَى هَذِهِ المَرْأَةِ وفارَقْتها فلعَلَّ الله تَعالَى أنْ يُيسّرَ لكَ الأمْرَ بِحُصولِ زوْجة تألفُها وتألفُك.
المُهِمُّ: أنَّ مِن أهَمِّ أغْراضِ النِّكاحِ السّكونَ والطُّمأنِينَةَ إِلَى الزَّوجَةِ والحياةَ حياةً سعِيدةً.

الفائِدَةُ الثَّالثةُ: ما ألقَى الله تَعالَى في قُلوبِ الزَّوجَيْنِ مِن المودَّةِ والرَّحَّمةِ، هَذَا مِنَ الآياتِ العظِيمَةِ، امْرأةٌ لَا تعْرِفُها إلَّا بالذِّكر عنْدَ خِطْبَتِها وليْسَ بيْنَك وبيْنَها قرَابَةٌ ثمَّ يَجْعَلُ الله بيْنَ قُلوبِكُما مِنَ المودَّةِ والرَّحْمةِ مَا يرْبُو أحْيَانًا عَلَى مودَّةِ الأُمِّ والأَبِ، وَهَذا لا شَكَّ أنَّه مِنْ آيَاتِ الله؛ ولِهَذا قَالَ الله تَعالَى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: ٥٤]، جَعَلَ الله في هَذِهِ الآية الصَّهر قَسِيمًا لِلنَّسبِ، يَعْني كأنَّ البشَرِيَّةَ إمَّا مُصاهَرَةٌ وإمَّا قرابَةُ نَسَبٍ.
---------------
(¬١) أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم (٢٥٨٠).
(¬٢) أخرجه مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، رقم (٢٦٩٩).

الصفحة 113