كتاب تفسير العثيمين: الروم

مخَارِجِ الحُروفِ، كُلَّما مَرَّ عَلَى مخْرَجٍ تغَيَّر والهَواءُ واحِدٌ، فإذَا مَرَّ عَلَى مخْرَجِ الصَّادِ صَار صَادًا، وإِذَا مرَّ عَلَى مخْرَجِ الجِيمِ صَار جِيمًا، وَإِذا مَرَّ عَلَى مخْرَجِ الدَّالِ صارَ دالًا، مَع أنَّ الهواءَ واحِدٌ، ثمَّ إنَّه أيْضًا لَا يحْتَاجُ إِلَى عمَلِيَّةٍ؟ فهَل نَجِدُ تَعبًا بنَقْلِ البَاء إِلَى النُّونِ إِلَى القَافِ إِلَى اللَّام، فَهُو شَيْءٌ واحِدٌ ومَع ذَلِك تجِدُ الحُروفَ تتَنَوَّعُ بمُرورِها عَلَى هَذهِ المخَارِج، فَهذا أيْضًا مِنْ آيَاتِ الله العظيمَةِ، وهُوَ دَاخِلٌ في قوْلِه تَعالَى: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ}.
فاخْتِلافُ الألسِنَة أيْضًا مِن آيَاتِ الله ووجْهُ ذَلِك أنَّ هَذِهِ الألسُنَ مِن نوعٍ واحِدٍ، أوْ مِن جنْسٍ واحِدٍ، كلُّنا بشَرٌ، وكلُّنا مِن أَبٍ واحِدٍ، ومَع ذَلِك تخْتَلِفُ الألسُن اختِلَافًا عظِيمًا، كَذَلِكَ أيْضًا هُوَ مِنْ آيَاتِ الله لأَنَّ كلَّ إِنْسَانٍ يعرِفُ جنسَه بلُغَتِه، أنا أعْرِفُ مثَلًا أنَّ هَذا هنْدِيٌّ، وَهَذا تُرْكِيٌّ، وَهَذا إنجْلِيزِيٌّ، وَهَذا ألمانِيٌّ، وَهَذا رُوسِيٌّ، بسَبَب لُغَتِه، وَهَذا أيْضًا مِن آيَاتِ الله أنْ جعَلَها دَلِيلًا عَلَى جِنْسِ الإِنْسَانِ.
وقوْله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ} يشْمَلُ أصْلَ اللُّغَة، وَيشْمَلُ اللَّهَجاتِ، ويشْمَلُ السَّلامةَ مِن العُيوبِ، ويشْمَلُ العُيوبَ أيْضًا، ويشْمَلُ الفصاحَةَ، ويشْمَلُ العِيَّ؛ لأَنَّ بعضَ النَّاس يُعَبِّر عنِ المَعْنى تعْبِيرًا يسْتَطِيعُ الإقْنَاع إِذا أرَاد أنْ يُقْنِع، ويسْتَطِيعُ التّنْفِيرَ إِذا أرَادَ أنْ يُنَفِّرَ، وبعْضُ النَّاس عنْدَه عِيٌّ بحيْثُ أنَّه لا يسْتَطِيعُ أنْ يُعَبِّرَ حتَّى عنِ المَعْنى الصَّحيحِ حتَّى أنَّه إذَا عبَّر عن المعَانِي الَّتي يُريدُها، رُبما لا تُقبَلُ منْهُ لضعف تعْبيرِه، يعْنِي لا تَظُنَّ أنَّ اخْتِلافَ الألسِنَة فقَط في جِنْس اللُّغَةِ، لا بَلْ بِكُلِّ هذَا، فأجْنَاسُ اللُّغاتِ مِن آيَاتِ الله عَزَّ وجَلَّ، وكوْنُ هَذا الإنسانِ ينْطِقُ بالحُروفِ نُطْقًا تَامًّا، هَذا مِنْ آيَاتِ الله، والثَّاني بالعَكْس ينْطِقُ بِها عَلَى وجْهِ اللَّثْغَةِ أوْ يتثَاقَلُ أوْ مَا أشْبَه ذَلِك، كَذَلِكَ أيْضًا قدْ نَقُولُ: إنَّ مِن اخْتِلافِ اللِّسانِ اختلافَ

الصفحة 119