كتاب تفسير العثيمين: الروم

الأصْوَاتِ، فهَذا صوْتُه جَيِّدٌ، وَهَذا حسَنٌ، والآخَرُ بالعَكْسِ، كَذَلِكَ مِن اخْتِلافِ الألسُن الفصاحَةَ وعدَمَها، فإِنَّ مِن النَّاسِ مَن يُعطِيهُ الله تَعالَى بلَاغَةً فِي الكَلامِ وحُسْنَ أدَاءٍ حتَّى أنَّه يؤدِّي إلَيْك المَعْنَى بعِبارةٍ واضحَةٍ تفْهَمُها مِن أوَّلِ مرَّةٍ ومنَ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ بالعَكْسِ فجَمِيعُ مَا يمْكِنُ أنْ يَرد عَلَى اخْتِلَافِ اللِّسانِ فإِنَّهُ داخِلٌ في كوْنِه مِنْ آيَاتِ الله عَزَّ وجَلَّ.
وقوْلُه رَحَمَهُ اللَّهُ: [{وَأَلْوَانِكُمْ} مِنْ بَيَاضٍ وَسوَادٍ وغَيْرِهِمَا]: هَذا صحِيحٌ، اخْتِلافُ الألوانِ مِن بَياضٍ وسَوَادٍ وغَيْرهما، أيْ مَا بيْنَ السَّوادِ والبَياضِ يعْنِي أسْودُ خالصٌ، وأَبْيضُ خالصٌ، ومَا بَيْنَهُما هُو غيْرُهما، وَهَذا أيْضًا مِن آيَاتِ الله؛ وَلِهَذا لا تَكَادُ تَجِدُ اثْنَيْنِ متَّفِقَيْنِ فِي اللَّوْنِ أبَدًا حتَّى لَوْ كَانا توْأَمَيْنِ لا بُدَّ أنْ يكُونَ هناكَ اختْلافٌ، لكِنْ منْهُ ما يكُونُ ظاهِرًا، ومنْهُ مَا يكُونُ غَيْرَ ظاهِرٍ، إمَّا بمَيْلِه إِلَى الحُمْرَةِ أو إِلَى السَّوادِ أوْ إِلَى البَياضِ، أوْ يكُونُ الجلْدُ ليْسَ عَلَى وتِيرَةٍ واحَدَةٍ، وَهَذا شيْءٌ مُشاهَدٌ، فالرَّجُل الأبْيَضُ الأُوربِّي بيْنَه وبَيْن الرَّجُل الأسْوَد الَّذي عَلَى خطِّ الاسْتِواءِ فرْقٌ شاسِعٌ، ومَا بَيْن ذَلِك درَجَاتٌ متفاوِتَةٌ، لكِنْ لَا تكَادُ تَجِدُ اثْنَيْن عَلَى لوْنٍ واحِدٍ، هَذا مِنَ الحكْمَةِ؛ لأنَّهُ لوْلَا هَذا لَكَانَ النَّاسُ يختَلِفُ بعْضُهم عَلَى بعْضٍ، وربَّما طَالبُوا بحقُوقِهم مَنْ ليْسَ لهُمْ عنْدَه حقٌّ لمجرَّدِ الشَّبَهِ.
ويُقالُ أنَّ الله جعَل لكُلِّ إِنْسَانٍ أرْبَعِينَ شَبِيهًا، ولَكِنْ لَا أظُنُّ أنَّ هَذا يَصِحُّ، بَلْ إِنَّهُم يقُولونَ إنَّ البَصماتِ الَّتي في الأنَامِل تخْتَلِفُ، كُلُّ واحِدٍ لَهُ بصَمَاتٌ عَلَى شكْلٍ لَا يُوافِقُ الآخَرَ وَهَذا هُوَ الظَّاهِرُ، ولِهَذا تُعْتبَرُ البَصماتُ فِي التَّحْقِيقاتِ الجنَائِيَّةِ، ممَّا يدُلُّ عَلَى أنَّها تخْتَلِفُ قطْعًا، وَهَذا ممَّا يدُلُّ عَلَى قدْرةِ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى هَذا الاخْتِلافَ العظيمَ، ملَايِينُ المَلَايينِ مِنَ البَشَرِ، ومَع ذَلِك كُلُّ إِنْسَانٍ لَا يُمْكِنُ أنْ يُطابِقَ الآخَر

الصفحة 120