كتاب تفسير العثيمين: الروم

من فوائد الآية الكريمة:

الفائِدَةُ الأولَى: أنَّ خلْقَ السَّموَاتِ وَالأرْضِ مِن آيَاتِ الله، ووَجْهُ كَوْنِه مِن آيَاتِ الله عِظَمُهما واتِّساعُهما ومَا فِيهما مِنَ الكَواكِبِ والنُّجومِ والأَشْجارِ والبِحارِ والأَنْهارِ وغَيْرِ ذَلِكَ، كُلُّه مِنْ آيَاتِ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَتِه وقُدْرَته.

الفائِدَةُ الثَّانيَةُ: أنَّ السَّمواتِ جمْعٌ والأرْضَ كَذَلِكَ، لكِنْ ليْسَ فِي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا، إِنَّما يُسْتَفادُ كَوْنُ الأرْضِ جَمْعًا مِن أدِلَّةٍ أُخْرَى.

الفائِدَةُ الثَّالثةُ: أنَّ اختِلافَ الألسُنِ والأَلوانِ مِن آيَاتِ الله أيْضًا، وهلِ اختِلافُ الألسُنِ والألوانِ هُو بِطُولِ اللِّسَانِ وقِصَرِه، أوِ المُرادُ اختلافُ اللُّغَة؟ المُرادُ اختِلافُ اللُّغاتِ واخْتِلافُ الفَصاحَةِ والبَيانِ؛ فإِنَّ النَّاسَ يخْتَلِفُون فِي هَذا اختِلافًا عظِيمًا، تَجِدُ المَعْنى الوَاحِدَ يتكَلَّمُ بِه إِنْسَانٌ فتَقْتَنِعُ الحاضِرونَ لقُوَّةِ بَيانِهِ وفَصاحَتِهِ، ويتَكلَّمُ فِيه آخَرُ لَا يلْتَفِتُونَ إِلَيْهِ ولا يُقْنِعُهم، وتَجِدُ رَجُلَيْنِ يتكَلَّمَانِ، أحَدُهُما يشُدُّ النَّاسَ إِلَى نفْسِه، والآخَرُ يتكلَّمُ ولَا يُسْتَمَعُ إِلَيْهِ، مَع أنَّ الكَلامَ واحِدٌ والمَوْضوعَ واحِدٌ، لكِنَّ اخْتِلافَ الإلقاءِ والفصَاحَةِ هُو الَّذي جعَل النَّاسَ يتأثَّرُونَ.

الفائِدَةُ الرَّابعةُ: أنَّ الألوانَ لا تتَّفِقُ، نأْخُذه مِنْ قَوْلِهِ تَعالَى: {وَأَلْوَانِكُمْ}، ولِهَذا يقُولُ العُلَماءُ أنَّه لَا يُمْكِنُ أن يُوجد شخصَانِ متَّفِقانِ مِنْ كُلِّ وجْهٍ أبَدًا عَلَى كثْرَة النَّاسِ، حتَّى التَّوْأمانِ لا يتَّفقانِ مِنْ كُلِّ وجْهٍ، صحيحٌ أنَّ بعْضَ النَّاسِ يتقَارَبُونَ وَلا تعْرِفُ بعْضَهُم مِن بعْضٍ، لا سِيَّما إذَا كُنْتَ لَا ترَاهُما إِلَّا نادِرًا، لكِنْ عنْدَ التَّأمُّل لَا بُدَّ أنْ يكُونَ هُناكَ علَامَةٌ فارِقَةٌ، ولا تأْخُذْ بالمَلامِحِ الظّاهِرَةِ، وَهَذا مِنْ آيَاتِ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى حتَّى الأَعْضاء الآنَ لَا تظُنَّ أنَّ أعضَاءكَ متَّفِقَةٌ، فأعْضَاؤُك تخْتَلِفُ، فَكِّرْ في العُروقِ: عُروقُ اليَدَيْنِ تجِدُها مختَلِفَةً، عروقُ الرِّجْليْنِ تجِدُها مخْتَلِفَةً، البَنانُ الَّتي

الصفحة 122