كتاب تفسير العثيمين: الروم

الأرْضِ، بَل هِي مُمْسَكَةٌ بأمْرِ الله عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْر عَمَدٍ، وهَذا تفْسِيرٌ قاصِرٌ، والصّوابُ أنَّ قِيام السّموَاتِ وَالأرْضِ أعمُّ مِن كوْنِه قِيامًا حِسيًّا أو قِيامًا معنَوِيًّا، بمَعْنى أنَّه يشْمَل القِيامَ الحِسِّي والقيامَ المَعنويَّ، فالسَّمواتُ قائِمةٌ بأمْر الله قِيامًا حِسِّيًّا بِما فِيها من الانْتِظام فِيما خَلق الله عَزَّ وجَلَّ مِن الأَجرامِ، وبِما فِيها مِن الأفْلاك المتضَمِّنة الشّمسَ والقَمرَ والنُّجومَ وغيْرَ ذَلِك، وكَذَلِكَ الأرْضُ قَائِمةٌ قِيامًا حِسِّيًّا بما أوْدعَ الله تَعالَى فِيها مِنْ مصالِحِ الخَلْقِ مِنْ أشجارٍ وَنباتٍ وأنْهَارٍ وبحارٍ وغَيْر ذَلِك، هَذا قيامٌ حِسِّيٌّ، ويُوجَد أيْضًا قِيامٌ معنَوِيٌّ وهُوَ قِيامُ هَذه بطَاعَةِ الله، فإنَّ المعَاصِيَ إفْسَادٌ في الأرْضِ، كَما قَال الله تَعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: ٥٦]، فالسَّمواتُ أيْضًا والأرْضُ تَقُومُ بأَمْرِ الله الشَّرعِي كَما تقُومُ بأَمْرِه الكَوْنيِّ، ولَا قِيامَ للأَرْض ولَا لِلسَّمواتِ إِلَّا بالتِزامِ أمْرِ الله الشّرعيِّ، فتَصلُحُ وتبْقَى بطَاعَةِ الله، فحِينَئِذٍ نُفسِّرُ القيامَ بأنَّه القيامُ الحسِّيُّ والقيامُ المعنوِيُّ، فالآيَة شامِلَة للمَعْنَيينْ، وعَلى هَذا يكُونُ المُرادُ بالأَمْرِ الأمرَ الكوْنِيَّ والأَمْر الشّرعِيَّ.
قوْله تَعالَى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ}: أَتى بِـ (ثُمَّ) بعْدَ ذِكر قِيامِ السَّمواتِ والأَرْضِ؛ لأَنَّ البعْثَ متأَخِّرٌ لا يَكُونُ إِلا بعْدَ قِيامِ السّاعَةِ، يقُولُ: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ}، الفاعِلُ هُو الله عَزَّ وجَلَّ {دَعْوَةً} أيْ واحِدَةً {مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ}.
قوْله تَعالَى: {مِنَ الْأَرْضِ}، يقولُ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: [بِأَنْ ينْفُخَ إسْرَافِيلُ فِي الصُّورِ، فَيُبْعَثُ مَنْ فِي القُبُورِ، {إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} مِنْهَا أحْيَاء، فَخُرُوجُكُمْ مِنْهَا بِدَعْوَةٍ مِنْ آيَاتِهِ تَعالَى].
قوْله تَعالَى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ}، قوْله تَعالَى: {مِنَ الْأَرْضِ}،

الصفحة 138