كتاب تفسير العثيمين: الروم

قوْله تَعالَى: {وَهُوَ}: الضَّميرُ يعودُ عَلَى الإِعادَةِ المفُهومَةِ مِنْ قَوْلِهِ: {يُعِيدُهُ}، فمَرْجِعُ الضَّميرِ إِذَنْ المَصدَرُ المَفْهومُ مِن الفِعْل، وَمرْجعُ الضَّميرِ قَدْ لا يُذْكَرُ بلفْظِه، ولكِنْ يُذْكَرُ مَا يدُلُّ علَيْه، انظُرْ إِلَى قوْلِه تَعالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، ومرْجِعُ الضَّمير في قوْلِه تَعالَى: {هُوَ} العدْلُ المفْهومُ مِن كلِمَةِ {اعْدِلُوا}.
إِذَنْ: قوْله تَعالَى: {ثُمَّ يُعِيدُهُ}، أي الإِعادَةُ، والإِعادَةُ مصْدَرٌ، فَصَحَّ أن يعُودَ الضَّمِيرُ علَيْها مُذَكَّرًا.
قوْله تَعالَى: {أَهْوَنُ}: اسْمُ تفْضيلٍ مِنْ (هَانَ يَهُونُ)، واسْمُ التَّفضيلِ يدُلُّ عَلَى أنَّ الهَوْنَ دَرجاتٌ، هَيِّنٌ وأَهْوَنُ، ودَرجاتُ الهَوْنِ قَد تُوحِي بأنَّ هُناك مشقَّةً لأنَّهُ لَوْلا أنَّ فِي بعْضِها مشَقَّةً مَا صارَ بعضُها أهْوَنَ مِن بعْضٍ؛ ولذَلِكَ اخْتلَف المُفسِّرُون فِي اسْمِ التّفضِيل هُنا، {وَهُوَ أَهْوَنُ}، فَقِيل أنَّه بِمَعْنى هَيِّن، {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} أيْ وهُو هَيِّنٌ علَيْه، وقالَ بعْضُ المُفسِّرينَ مَا ذَهَب إِلَيْهِ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ، وهُو أنَّه أهْوَنُ علَيْه مِن البَدْء بالنّظر إِلَى ما عِنْدَ المُخاطَبِينَ مِن أنَّ إعادَةَ الشّيْءِ أسْهَلُ مِن ابتدَائِه وإلَّا فهُمَا عنْدَ الله تَعالَى سوَاءٌ فِي السُّهولَةِ.
وهلْ قولُه: {أَهْوَنُ} عَلَى بابها؟
المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ مشَى عَلَى أنَّها عَلَى بابِها، لكِنَّها باعْتِبَارِ المُخاطَبِين؛ لأَنَّ المُخاطَب يعْرِف أنَّ إعادَةَ الشّيْءِ أهْوَنُ مِنَ ابْتِدَائِه، وسبَبُ ذَلِك أن إِعادَتَهُ لا تَحْتَاجُ إِلَى تفْكِيرٍ جَديدٍ؛ لأَنَّهُ قَد سبَق فِيها التّفْكِيرُ، ثانيًا: لأَنَّ موادَّ التّكْوينِ موْجُودةٌ، افرِضْ مثَلًا أنَّني صنَعْتُ سيارةً، فعنْدما أُرْيدُ صُنْعها أوَّلًا تحتاجُ إِلَى تفْكِيرٍ وموادَّ، فإذَا أرَدْتُ أنْ أُعِيدَها مرَّةً ثانِيَةً مثْلَ أنْ تكُونَ قدْ تفَكَّكتْ هَذهِ السّيارةُ، وَأرَدْتُ أنْ أُعيدَها فستكونُ الإعادَةُ أهْونَ؛ لأَنَّ التَّفكِيرَ قَدْ فرَغْتُ منِه، والموادُّ موجُودةٌ محُضَّرةٌ فتكُونُ الإِعادَةُ

الصفحة 146