كتاب تفسير العثيمين: الروم

أهوَنَ باعْتِبارِ المُخاطَبِ، أمَّا بالنِّسبَةِ للهِ عَزَّ وجَلَّ فَلا نَقُولُ: إِنَّ فِي حقِّه مَا هُو أهْوَنُ، ومَا هُو هيِّنٌ، بَلِ الكلُّ عنْدَ الله تَعالَى هيِّنٌ سهْلٌ.
وقالَ بعْضُ المُفسِّرينَ: إِنَّ (أهْون) بمَعْنى هَيِّن، فَعلى هَذا يكُونُ الهَوْن بالنِّسبَةِ إِلَى الله عَزَّ وجَلَّ، لَا بالنِّسبَةِ لما عنْدَنا نَحْن، وَفِي الحدِيثِ عَنِ الرَّسولِ عليهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أنَّ الله تَعالَى قالَ: "كَذَّبَني ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إيَّايَ فَقَوْلُه: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادتِهِ" (¬١)، فهُو مفُسِّرٌ للآيَة، فهُو يُفَسِّر أنَّ كُلَّ ذَلِك هيَّنٌ علَيْه، ولكِنْ لا شَكَّ أنَّ الإِعادَةَ أهْوَنُ باعْتِبارِ المَفْهومِ عنْدَ المُخاطَبِينَ، فمَا مشَى علَيْه المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ هُنا جيِّدٌ.
قالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: [{وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أيْ الصّفَةُ العُلْيَا، وَهِي أنَّه لَا إلَه إِلَّا الله]: (له) خَبَرٌ مقَدَّمٌ، و (المَثَلُ) مُبتَدأ مؤخَّرٌ، والمَثَل والمِثْل معناهُما واحِدٌ، ويُطْلَق عَلَى عدَّةِ معانٍ: فيُطْلَقُ عَلَى الشَّبه؛ كقوْلِه تَعالَى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة: ١٧]، يعْنِي شَبَهُهم كشَبَه الَّذي اسْتوْقَد نَارًا.
ويُطْلق المَثَل عَلَى الصّفة؟ كقوْلِه تَعالَى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: ١٥].
ويُطلَقُ المَثَل عَلَى الذّاتِ؛ قالُوا كقوْلِه تَعالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١]، يعْنِي ليْسَ كذَاتِه، وقالُوا مِنْه قولُ الشَّاعِرِ (¬٢):
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب يقال: لا ينون (أحد) أي واحد، رقم (٤٩٧٤).
(¬٢) البيت في البحر المحيط (٧/ ٤٨٨)، والدر المصون (٩/ ٥٤٥) منسوبًا لأوس بن حجر، لكن لم أقف على البيت في ديوانه المطبوع.

الصفحة 147