كتاب تفسير العثيمين: الروم

لَيْسَ كَمِثْلِ الفَتَى زُهَيْرٍ ..................
والمُرادُ هُنا بالمَثَل فِي قوْلِه تَعالَى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} الصِّفةُ، أيْ لَهُ الصِّفةُ العُلْيا فِي السَّموَاتِ وَالأرْضِ، كُلُّ صِفَةٍ كَاملَةٍ فلِله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أكمَلُها، وكُلُّ صفَةِ نقْصٍ فإِنَّهُ مُنَزَّهٌ عنْهَا؛ لأنَّهُ مَا دَام قَد ثَبَت لَهُ الصِّفَةُ الكَامِلَةُ العُلْيا، فإنَّهُ بالضَّرُورةِ العَقْلِيَّةِ ينتفِي عنْهُ النَّقْص؛ لأنَّهُ لَو اتَّصَف بنَقْصٍ ما اسْتَحقَّ أنْ يَكُونَ لَهُ المَثَلُ الأَعْلى.
إِذَنْ: هَذهِ الآيَةُ الكَريمَةُ تدُلُّ عَلَى صِفَاتِ الكَمال للهِ عَزَّ وجَلَّ، الكَمالُ المُطْلَقُ؛ لأنَّهُ قَال: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى}، وعَلى انْتِفاء النَّقْص مِن جَمِيع الوُجوهِ إِذْ أنَّه لوِ اتَّصفَ بنَقْصٍ مَا اسْتحَقَّ أنْ يكُونَ لَه المَثلُ الأَعْلى، ونَأْخُذُ مِن هَذا أنَّ كُلَّ مَا وَصَفَ الله بِه نفسَهُ فهُو صفَةُ كَمالٍ، وَلَيْس فِيه نقْصٌ، وكُلُّ كَمالٍ فإِنَّ الله تَعالَى مستَحِقٌّ لَه، فهَذان شيْئَانِ:
الأولُ: أنْ نَعْلم عِلْمَ اليَقِينِ أنَّ كُلَّ مَا وَصَفَ الله بِه نفسَهُ فهُوَ صِفةُ كَمالٍ.
الثَّاني: أنْ نَعْلم أنَّ كُلَّ صِفَةِ كَمالٍ فاللهُ تَعالَى مستَحِقٌّ لَها، فَهُو أهْلٌ لَها، كَما قَالَ الرَّسولُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "أهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ" (¬١)، وسيَأْتي - إنْ شاءَ الله - فِي الفوائِد مَا يُسْتَدلُّ بِه عَلَى الرّدِّ عَلَى الَّذِين يُنكِرونَ صِفاتِ الله بحُجَّةِ أنَّها تسْتَلْزِمُ النَّقصَ وهُو التَّشبِيهُ.
وقوْله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: معْنى المَثل الأَعْلى فِي السَّموَاتِ وَالأرْضِ يعْنِي عنْدَ أهْلِ السَّمواتِ مَن المَلائِكَةِ، وعِنْدَ أهْلِ الأرْضِ، فكُلُّ الفِطَر السَّليمة تعْتَرِفُ بأنَّ المَثل الأعْلَى والصِّفةَ العُليا للهِ وحْدَه.
---------------
(¬١) أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام، رقم (٤٧١).

الصفحة 148