كتاب تفسير العثيمين: الروم

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: قوْلُه سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم: ٢٠]، مِن أَيِّ المَعاني؟
قُلْنَا: {بِعَزِيزٍ} أيْ بمُمْتنِعٍ، فهُو مِن عِزَّةِ الامْتِنَاعِ.
وأمَّا قولُه {الْحَكِيمُ} فالمُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ يقولُ: هو [الحكِيمُ فِي خَلْقِهِ] وأحيانًا يقُول: (في صُنْعِه)، ومعْنَاهُما واحِدٌ، لكِنَّ هَذا قاصِرٌ أيْضًا؛ لأَنَّ الحكِيمَ مشْتَقٌّ مِن الحُكْم والحِكْمة، فعَلى قولِنا أنَّه مُشتَقٌّ مِن الحُكم يَكُون (حَكِيمٌ) بمَعْنى حَاكِم، مثْلُ رَحِيمٍ بمَعْنى رَاحِم، وَعَلَى قوْلِنا أنَّه مِن الحكْمَة يكُونُ (حَكِيمٌ) بمَعْنى مُتْقِن، فَهُو مِن أَحْكَمَ يُحْكِمُ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: وهل يَأْتي (فَعيل) بمعنى (مُفْعِل) في اللُّغَة العربية؟
فالجوابُ: نَعم، وَمنْه قوْلُه تَعالَى: {عَذَابٌ أَلِيمٌ}، بمعْنى (مُؤْلِم)، ومنْه قولُ الشّاعر (¬١):
أَمِنْ رَيْحَانَة الدَّاعِي السَّمِيعُ ... يُؤَرِّقُني وَأَصْحَابِي هُجُوعُ
السَّميعُ أي: المُسْمِع؛ لأَنَّ الدّاعِي يُسْمِعُ غيرَه، ولَيْس هُو نفسُه سَمِيعًا.
إِذَنْ: نقُولُ: (حِكيم) مأخُوذَةٌ مِن الحُكم والحِكْمة، فعَلى أنَّه مأخُوذٌ مِن الحُكْم يكُونُ بمَعْنى (حَاكِم) مثْلُ (رَحيم) بمَعْنى (رَاحم)، و (سَمِيع) بمَعْنى (سَامِع)، وإِذا قُلنا أنَّها مِن الحكْمَة فَهُو مِن أحْكَمَ فَهُو حَكِيمٌ، بمَعنى محُكم، أيْ اسمُ فاعِلٍ مِنَ الرُّباعِيِّ.
---------------
(¬١) البيت لعمرِو بنِ معدِ يكربَ الزبيديِّ في مطلعِ عَيْنِيَّتِهِ المشهورةِ، في الأصمعيات (ص: ١٧٢)، الشعر والشعراء لابن قتيبة (ص: ٢٤٠)، شرح الكافية الشافية لابن مالك (٢/ ١٠٣٤).

الصفحة 150