كتاب تفسير العثيمين: الروم

تنْقَسِمُ إِلَى ثَلاثَة أقْسَامٍ: عِزَّةُ القدْر، وعِزَّةُ القهْر، وعِزَّةُ الامتِنَاعِ.

عِزَّةُ القدْر: بمعْنَى أنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عظِيمُ القدْر، وكُلَّما كانَ الشّيْءُ عظِيمَ القدْرِ كان عزيزًا، أيْ قَلِيلَ الوُجُودِ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا مِثل لَهُ، عَظِيم لا نَظِيرَ لَهُ في قدْرِه وعظَمَتِهِ.

وعِزَّةُ القهْر: بمعْنَى الغلَبَةِ والظّهُورِ، بمعْنَى أنَّه قاهِرٌ وَغَالب لكُلِّ شيْء.

وعِزَّةُ الامتِنَاعِ: معْنَاها امْتِنَاعُ جَمِيع النّقْصِ علَيْه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أيْ أنَّه يمتَنِعُ علَيْه كُلُّ نقْصٍ، ومِنْ هَذا المعْنَى قولُهُم: (أَرْض عَزَازٌ) (¬١)، أي الصّلْبَةُ التي يمتَنِعُ أن يُؤثِّر فِيها شيْءٌ.
فالله عَزَّ وَجَلَّ متَّصِفٌ بالعزَّةِ مِن جَمِيعِ هَذِهِ الوُجُوهِ الثّلَاثةِ.
وقوْله رَحِمَهُ اللهُ: [{الرَّحِيمُ} بالمؤمنين]: استدلَالٌ بقوْلِه تَعالَى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: ٤٣]، والصّوابُ أنَّ رحمَةَ الله تَعالَى تكُونُ عامَّةً وخاصَّةً، فإنَّ كُلَّ مَن في السّموَات وَالأرْض فَهُم في رَحْمَةِ الله العامَّةِ، ولَوْلا هذِهِ الرّحْمَةُ العامَّةُ لما بَقِي أحدٌ مِن الكفَّارِ، فكَوْنُ الله يُدِرُّ عليْهِمُ الأرْزَاقَ والعافِيةَ وَالنّشاطَ والعقْل ومَا أشْبَه ذَلِك لا شَكَّ أنَّه مِن رحْمَةِ الله، ولكِنَّ الرّحْمةَ التي تَكُونُ بِها رَحمَةُ الدّنيا والآخرةِ خَاصَة بالمؤمِنِينَ.

من فوائد الآية الكريمة:
الفائدة الأولى: أنَّ كَلامَ الله عَزَّ وَجَلَّ بالحروفِ، يَعْني {الم} حُرُوفٌ، فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الأشْعَرِيَّةِ الَّذِين يقُولونَ إِنَّ كَلامَ الله هُو المعْنَى القائِمُ بالنّفْسِ ولَيْسَ الحرُوفَ،
---------------
(¬١) تاج العروس من جواهر القاموس (١٥/ ٢٢٢)، ولسان العرب (٥/ ٣٧٤).

الصفحة 24