كتاب تفسير العثيمين: الروم

وَأنَّ هَذِهِ الحرُوفَ مخلُوقَةٌ لِتعبِّر عَن هَذا المعنى القائِم بنفسِهِ، ثمَّ يقُولونَ أيضًا: إِنَّ هَذا المعْنَى القائِمَ بالنّفْسِ لا يتَغَيَّرُ ولَا يخْتَلِفُ، فهُوَ واحِدٌ سوَاءً كانَ اسْتِفْهامًا أوْ خبَرًا أو أمْرًا أو نَهْيًا أو قُرآنا أوْ زَبُورًا أو تَوْرَاةً أو إِنْجِيلًا، فالتوْارَةُ هِي الإنْجِيلُ وهِي القرآنُ وهِي الزّبُورُ وهِي صُحُفُ إِبْراهِيمَ وصُحُف مُوسَى، ويقُولونَ أنَّها اخْتَلفَتْ في التّعْبيرِ، فَإِن عَبَّر عَن هَذا الكلامِ بالعرَبِيَّةِ صارَ قُرآنًا، او بالعبْرَّيةِ صَار تَوْرَاةً، أوْ بالسُّرْيانِيَّة صارَ إِنجيلًا، أوْ بلُغَةِ داوُدَ صَار زَبُورًا ... وهَكذا، وتصُوُّرُ هَذا غْيرُ ممكنٍ، وَهُو معْنًى غْيرُ معقولٍ، ثمَّ يقُولونَ أيضًا: إنَّ الاسْتِفْهام وَالخبْر معنَاهُما واحِدٌ، فإِذا جَاء اسْتِفْهام مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ فَهُو كالخبَرِ عنْهُ ومعناهما واحدٌ، وَلا شك أن مجرَّد تصورِ هذَا القولِ كافٍ في رَدِّه وإبْطَاله.

الفائدة الثانية: إثْبَات عِلْمِ الله بِالغيْبِ؛ لقوْلِه تَعالَى: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ}.

الفائدة الثالثة: إثْبَات رِسالَةِ النبيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ؛ لأَنَّ الإخبارَ عَنِ الغيْبِ لَا يكُونُ إلا بِوَحْيٍ.

الفائدة الرابعة: أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَامِلُ السّلْطانِ والتّدْبيرِ؛ لقوْلِه تَعالَى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}.

الفائدة الخامسة: أنَّ كُل الأشْيَاء لَا تَكونُ إلا بِأَمْرِ الله؛ لأَنَّهُ لما قَالَ: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ}، قَال: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْد}.
إِذَنْ: فكوْنُهُمْ غلِبوا فَبِأَمْرِ الله، وكَذِلك انْتِصارُهم بِأمْرِ الله، فكُلُّ الأمُورِ بتَقْديرِ الله تَعالَى وأمْرِه، فكُلُّ الأشْيَاء بِأَمْرِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

الصفحة 25