كتاب تفسير العثيمين: الروم
بهم قوامه فَهُوَ يقوم بهم، وهم بِهِ يقومون.
وقوْله تَعالَى: {إِلَى قَوْمِهِمْ} لأَنَّهُ مَا من رسول أُرسل سوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا ورسالته خاصة كما ثبت فِي الحديث الصّحيح: حديث جَابِرٍ "وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّة وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّة" (¬١).
قوْله تَعالَى: {فَجَاءُوهُمْ} الفاعل للرسل والمفعول للقوم.
قوْله تَعالَى: {بِالْبَيِّنَاتِ} قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: [بالحُجَجِ الوَاضِحَاتِ عَلَى صِدْقِهِمْ فِي رِسَالَتِهِمْ إِلَيْهِمْ فَكَذَّبُوهُمْ].
قوْله تَعالَى: {بِالْبَيِّنَاتِ} معلوم أنَّ البينات تعني الواضحات لكن هل المُرَاد بالبينات هُنَا مَا يبين صدق رسالتهم فيكون المُرَاد بِهَا المعجزات الَّتِي أُيِّدوا بِهَا، أو المُرَاد بالبينات أي بالشّرائع البينات الظّاهرة الَّتِي كل من استَقْرَأَها عَرَفَ أنَّها من عند الله، أو المُرَاد الأمران؟ المُرَاد الأمران فالرُّسل أتوا بالآيات البينات الَّتِي تؤيدهم وتدل عَلَى صدقهم وأتوا أيضًا {بِالْبَيِّنَاتِ} بالشّرائع البينة الظّاهرة الَّتِي يعلم أنَّها من عند الله عَزَّ وَجَلَّ فالباء فِي قَوْلِهِ {بِالْبَيِّنَاتِ} تكون للمصاحبة، يعني أُرسلوا رسالةً مصحوبة بالبينات، أو للاختصاص عَلَى القول بأن المُرَاد بالبينات الشّرائع، وَهَذا من حكمة الله عَزَّ وَجَلَّ ورحمته أن الله مَا أرسل رسولًا إِلَّا أيده بآية من حكمته ورحمته؛ لأَنَّهُ لو جاء الرَّسولُ بدون آية إِلَى النَّاس وقال أنا رسول الله بدون آية هل يقبلونه؟ من طبيعة البشر أن لا يقبلوا حتَّى يعرفوا، كما أنَّه لو جاء واحد من النَّاس وقَالَ: أنا عالِم عندي علم بالشّرع استفتوني فِي أي شيء أفتكم، فلا يطيعونه حتَّى يمتحنوه
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب التيمم، رقم (٣٣٥)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، رقم (٥٢١).
الصفحة 298
358