كتاب تفسير العثيمين: الروم

الآخر والقدر خيره وشره، فأوجب الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نفسه أن ينصرَ المُؤْمِنِينَ، أوجب {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا} التِزامٌ من الله عَزَّ وَجَلَّ {نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} نَصْرُهم أي منعُهم من أعدائهم، وَذَلِكَ بأن يجعل لَهُم من النّصر الحسي والمعنوي مَا تكون العاقبة لَهُم، وَهَذا كقوْله تَعالَى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١)} [غافر: ٥١].
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا الحق الَّذي التَزم الله بِهِ قد يشكل علينا أن الله تَعالَى يخذل المؤْمِنينَ أحيانًا كما فِي أُحُدٍ مثلًا، فإن النّصر فِي أُحُدٍ كَانَ لقريش وأتباعها فما هُوَ الجواب عن هَذِهِ الآية؟
نَقُول: إن الجواب إن نصر قريش عَلَى الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ نصرًا دَائِمًا كانت العاقبة فِيهِ لَهُم، بل إن هَذَا فِي الحقيقة من نصر المؤْمِنينَ عَلَيْهِم، وَإِذَا شئت أن يتبين لك ذَلِك فاقرأ مَا عَلَّلَ الله بِهِ هَذِهِ الغزوة فِي سورة آل عمران من جملة مَا ذكر من الحكم {وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: ١٤١].
إِذَنْ: فَهُوَ نصر لجلبهم لأنهم لو هُزِموا فِي كل مقام مَا قاموا ولا حاربوا، لكن إِذَا صَارَ لَهُم شيء من النّصر فإن ذَلِك يُغرِيهم بالقتال حتَّى تكون العاقبةُ للمؤمنين، ويبيدهم الله عَزَّ وَجَلَّ ومنها أيضًا نصر المؤْمِنينَ عَلَى أنفسهم لأنهم مَا أتاهم مَا أتاهم فِي أحد إِلَّا بسببِ مخالَفتهم كما قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ١٥٢]، فهنا يعرفون قدر المعصية وأنه يفوت بِهَا من المحبوب مَا لا يخطر عَلَى بالٍ.
فالحاصِلُ: أن هَذِهِ الآية عَلَى بابها أن الله تَعالَى ينصر المؤْمِنينَ حقًّا علَيْه أوجبه

الصفحة 300