كتاب تفسير العثيمين: الروم
الجواب عَلَى فعل الشّرط ولَكِنَّهُ أبلغ لأَنهُ أتى بـ (إذَا) الفُجائية الدّالة عَلَى المبادرة لوجود ذَلِك الشّيء.
وقوْله تَعالَى: {يَسْتَبْشِرُونَ} قَالَ المُفَسِّر - رحمه الله -: [يَفْرَحُونَ بالمَطَر]، الاسْتِبْشَار أشد من مجرد الفرح بل هُوَ يستبشر بنفسه وربما يهنئ غيره ويبشره وَلهذا ففي أول مَا يأتي المطر فِي أيام موسم المطر تجد النَّاس إِذَا رأى بعضهم بعضا لا سِيَّما الَّذِين يأتون من البراري يقول أبشرك أنَّه قد نزل مطر وأنه كثير أو حسب مَا يكون، فالاسْتِبْشَار هُنَا أبلغ من مجرد الفرح لكن المُفَسِّرُ - رحمه الله - ربما يفسره بالتّقريب.
وقوْله تَعالَى: {مَنْ يَشَاءُ} لا: "ما يشاء النَّاس" فالَّذي ينزل الغيثَ هُوَ الله - عز وجل - وليس أحد يستطيع أن ينزله، وأما مَا ذُكِرَ من أنهم الآن يُسلِّطون مَوَادَّ كيماوية عَلَى السّحاب فينزل المطر فإن صح هذَا الأمر فنقول: من الَّذي خلق هذَا المطر؟ الله - سبحانه وتعالى - والَّذي أوجد هذَا السّحاب هُوَ الله - سبحانه وتعالى - وكونهم يتوصلون إِلَى أسباب يتبخر بِها هذَا السّحاب حتى ينزل مطرًا هذَا لا ينافي أنْ يكُونَ الله - عز وجل - هُوَ الَّذي ينزل الغيث، ثمَّ إن قوله فِي الآية {يُنَزِّلُ الْغَيْثَ} أبلغ من ينزل المطر إذ إن المطر قد ينزل ولا يَكُون غيثًا كما ثبت فِي صحيح مسلم: "لَيْسَ السَّنةُ أَنْ لَا تمطَرُوا إِنَما السَّنةُ أَنْ تمطروا وَلَا تُنْبِتُ الأَرضُ" (¬١)، السّنة معناها الجَدْبُ والقَحْطُ يعني لَيْسَ السّنة أنَّه لا يأتي المطر، السّنة الحقيقية أن يأتي ولا يحصل نبات.
وقوْله تَعالَى: {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} المُرَادُ بالعباد هُنَا جمع عبد وَهِيَ العبودية العامة لأَنَّ المطر ينزل عَلَى المؤْمِنينَ وَعَلَى الكَافِرِينَ، بل ربما يَكُون
---------------
(¬١) أخرجه مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة، رقم (٢٩٠٤).
الصفحة 310
358