كتاب تفسير العثيمين: الروم

نزوله عَلَى الكَافِرِينَ أكثر وأغدق وأشد استمرارًا، امتحانًا لهم لتُعَجَّلَ لهم طيباتهم فِي حياتهم الدّنيا كما قَالَ الله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: ٢٠]، أي بهذه الطّيبات {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأحقاف: ٢٠]، إِلَى آخره.
قوْله تَعالَى: {وَإِنْ كَانُوا} قَالَ المُفَسِّر: [وقد كانوا]، قدر (إنْ) بـ (قد) وتَبعَ فِي ذَلِك البَغَوِيَّ لأَنَّ الجلاليْنِ مأخوذ من البغوي يعني كأنه مختصر لَهُ لأنك إِذَا تأملت تفسيره - رحمه الله - وجدت أنَّه هُوَ تفسير البغوي بعينه لكن البغوي مبسوط وَهذا مختصر، قَالَ - رحمه الله -: {وَإِنْ} قد]، ولا أحد من أهل النّحو قَالَ بِهذا القول إِلَّا أن يقوله عَلَى سبيل التّفسير فقط، والصّواب الَّذي لا شك فِيهِ هُوَ أن (إنْ) مخففة من الثّقيلة كما فِي قوْله تَعالَى: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: ١٦٤]، وَعَلَى هذَا فنقول (إنْ) أصلها (إنَّ) فخففت واسمها ضمير الشَّأْنِ محذوف والتّقدير وإنهم، وقد سبق أن القول الصّحيح من أقوال النّحويين أن ضمير الشّأن لا يقدر مفردًا مذكرًا وَإنَّمَا يقدر بحسب السّياق إن كَانَ السّياق يقتضي التّأنيث فَهُوَ مؤنث وإن كَانَ السّياق يقتضي التّذكير فَهُوَ مذكر وإن كَانَ يقتضى الجمع فَهُوَ مجموع وإن كَانَ يقتضي التّثنية فَهُوَ مثنى.
إِذَنْ: أصله وإنهم كانوا لكن خففت (إنَّ) فحذف اسمها عَلَى أنَّه ضمير الشّأن {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} أي: من قبل أن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم المطر، وعرفنا أنَّ المراد بِهِ المطر من قوْله تَعالَى: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} فإن الودقَ إِذَا خرج من خلال السَّحاب ينزل إِلَى الأرْض.
وقوْله تَعالَى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} يعبر الله - عز وجل - عن نزول المطر بالإنزال

الصفحة 311