كتاب تفسير العثيمين: الروم

والتّنزيل وَذَلِكَ لأَنَّ المطر أحيانًا يأتي دفعةً واحدة بكثرة وغزارة فيكون إنزالًا، وأحيانًا يأتي بالتّدريج ضعيفًا متقطعًا فيُسَمَّى تنزيلًا لأَنَّ التّنزيل معناه إنزال الشّيء شَيْئًا فشيئًا.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: بالنّسبة لتغاير الإنزال والتّنزيل هل نقول أنزَلَ باعتبار المطر ككل وباعتبار أفراده نقول نَزَّلَ؟
فالجوابُ: لا، بل هُوَ باعتبار الكثرة والتّفريق، يعني بعد أيام يأتي، ثمَّ يأتي أيضًا قليلًا أحيانًا، مثلا يَكُون المطر يومين أو ثلاثة ولَكِنَّهُ قليل وأحيانًا يأتي كما هُوَ مُشاهد سُحبًا عظمية كأنها أفواه القرب.
وقوْله تَعالَى: {مِنْ قَبْلِهِ} اختلف فِيها أهل العِلْم فقال بعضهم كما قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ إنَّها تأكيدٌ كقوْله تَعالَى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} [آل عمران: ١٨٨]، كرَّر الفعل توكيدًا، هذَا قول وَهُوَ الَّذي مشى علَيْه المُفَسِّر وعليه أكثر المفسرين أن قوله {مِنْ قَبْلِهِ} أي من قبل أن يُنزَّل عَلَيْهِم قَالَ: وإن كانوا من قبل أن ينزل عَلَيْهِم، من قبل أن ينزل عَلَيْهِم لَمُبْلِسِينَ، فيكون تكرارها للتوكيد.
وقال بعض المفسرين إنَّها كُررت للتأسيس لا للتوكيد، ومعلوم أنَّه إِذَا دار الكلام بَيْنَ أنْ يكُونَ توكيدا وأن يَكُون تأسيسًا فالأصل التّأسيس لأَنَّ الأصل عدم التّوكيد لأَنَّ التّوكيد تكرار والأصل عدم التكرار، ولينتبه للفرق فِي تعبير العلَماء - رحمه الله -، فالفرق بَيْنَ التّوكيد والتّأسيس أن التّوكيد معناه أن هذَا هُوَ الأول، والتّأسيس معناه أن هذَا غير الأول وأنه كلام مستقل.

الصفحة 312