كتاب تفسير العثيمين: الروم

أمَّا قوْله تَعالَى: {لَمُبْلِسِينَ} فهي بالنّصب خبر لـ (كان) فِي قوْله تَعالَى: {وَإِنْ كَانُوا} واقترنت (اللام) بِها من أجل (إنْ).
والاقتران هُنَا هل هُوَ واجب أو جائز؟
والجوابُ: إننا لو أسقطناها فسوف تشتبه (إنْ) المخففة بـ (إنْ) النّافية، فيفهمها البعض: لو كانت (وما كانوا من قبل أن ينزل عَلَيْهِم مبلسين)، يعني يستبشرون أنهم مَا أبلسوا ولا يئسوا، يعني: يستبشرون وإن كَانَ لَيْسَ عِنْدَهُم يأس من قبل، لذا فالظّاهر وجوب هذا الاقتران؛ لأنّها قد تشتبه بـ (إن) النّافية، أمَّا إِذَا لم تشتبه فلا يجب الاقتران هل هناك شاهد فِي كلام العرب لذلك؟ نعم قول الشّاعر (¬١):
.................... ... وإن مالِك كانت كرَامَ المَعَادِن
يفتخر بِأنه من بني مالِك ثمَّ يقول: (وإن مالِك كانت كرام المعادن) هُنَا لا يمكن أن تشتبه (إنْ) بـ (ما) لأنهُ لا يمكن أن يفتخر بقوم يسلب عنهم كرم المعدن لو تقول مثلا أنا من قبيلة هذه القبيلة مَا كانت كرام المعادن لا يستقيم.
فالحاصِلُ: أن اللام هُنَا للتوكيد ويسميها بعض العلَماء (اللام الفارقة)، وَهذا أدق فِي التّعبير وَهِيَ مَعَ كونها فارقة تفيد التّوكيد وَإنَّمَا سموها اللام الفارقة لأنَّها تفرق بَيْنَ (إنْ) النّافية وبين (إنْ) المخففة.
إِنْ قَالَ قَائِل: هل يمكن أن تقترن باللام مَعَ كون (إنْ) بمعنى النّفي؟
فالجوابُ: لا، وَهذا هُوَ السّر فِي أنَّها فارقة لا يمكن أن تقترن بِها اللام لأَنَّ اللام تفيد توكيد الإثْبَات، والنّفي بخلاف ذَلِك، فالنّفي يفيد النَّفي.
---------------
(¬١) البيت للطرماح، في ديوانه (ص: ١٧٣)، وشطره الأول:
أنا ابن أُباة الضَّيم من آل مالك ... ... ... ... ... ... ...

الصفحة 314