كتاب تفسير العثيمين: الروم

كيف باعتباره أنواعًا؟
مثلاً أثر المطر يخرج بِهِ الزّرع ويخرج بِهِ الشّجر ويخرج بِهِ شيء صغير وشيء كبير وشيء لَهُ أشجار مُفَطَّحَةٌ (¬١)، وشيء لَهُ أشجار دَقِيقَةٌ كالعيدان، فلِهذا تعتبر هذه آثارا باعتبار أنواعها، ثمَّ أيضًا الآثَار تختلف من أرض إِلَى أرض، هذه الأرض تُنْبِتُ كذا وهذه الأرض تنبت كذا هذه ينبت فِيها الكلأ وهذه لا ينبت وهكذا فهي آثار باعتبار الأنواع، أمَّا باعتبار الجنس وأن كله حصل بسبب المطر فَهُوَ شيء واحد وَهذا هُوَ الفرق الخاص بَيْنَ أثر وآثار.
قال المُفَسِّر - رحمه الله -: {آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ} أي نعمته بالمطر].
وقد سبق أن الرّحمة فِي مثل هذَا يصح أن تكون اسمًا للمخلوق ويصح أن تكون من صفات الله، فإن كَانَ المُرَاد الأثر المباشر فالمُرَاد بالرّحمة المطر لأَنَّ هذَا النّبات نبت بالمطر، كان كَانَ المُرَاد السّبب غير المباشر فالمُرَاد بالرّحمة صفة الله يعني لكون الله جَلَّ وَعَلَا رحيمًا، فهذه من آثار الرّحمة أنَّه ينزل المطر وتنبت بِهِ الأرْض ويزول بِهِ القحط، فالآية صالحة لهذا وَبهذا.
قوْله تَعالَى: {كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} هذَا مما يرجِّح أن المُرَاد بالرّحمة: رحمة الله: الصّفة {كَيْفَ يُحْيِ} هُوَ أي بالرّحمة سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يُحْيِ الْأَرْضَ} يجعلها حيَّة {بَعْدَ مَوْتِهَا} قَالَ المُفَسِّر - رحمه الله -: [أيْ يُبْسها]، وحياة كل شيء بحسبه فالأرض اليابسة الَّتِي لَيْسَ فِيها خضار تسمى ميتة لَيْسَ فِيها شيء حي، فإذا نزل علَيْه المطر وحيّى النّبات سميت حية {يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} وَهذا دليل عَلَى قدرة الرّب - عز وجل - وَعَلَى رحمته، لأَنَّ من يقدر عَلَى أن يفلقَ النَّوَى فِي باطن الأرض حتى يخرج مِنْهُ
---------------
(¬١) مُفَطَّحٌ: عَريض، لسان العرب (٢/ ٥٤٥).

الصفحة 318