كتاب تفسير العثيمين: الروم

هذَا النّبات النّامي هل أحد يقدر عَلَى هذا؟ لا أحد يقدر؛ وَلهذا قد جاء فِي الحديث الصّحيح القدسي: "فَلْيَخْلُقُوا حَبَّة أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَة" (¬١)، ولا يستطيع أحد منهم ولا من غيرهم أن يخلق هذا، {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥)} [الأنعام: ٩٥].
قوْله تَعالَى: {كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} يعني انظر إِلَى الكيفية والقُدرَة كَيْفَ هذهِ الأرض الَّتِي كانت غبراء كأنها محترقة أصبحت الآن روضة خضراء.
قوْله تَعالَى: {إِنَّ ذَلِكَ} قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: [أي يبسها بأن تنبت {إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى}].
قوْله تَعالَى: {إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى} هذَا الكون العظيم لا يمكن أنْ يكُونَ عبثًا، يخلَقُ بشر عاقل، يعرف، ويعقل ويتصرف ويقتل بعضه بعضًا وينهب بعضه بعضًا ويسالِم بعضه بعضًا والنّتيجة أن يكونوا ترابًا، هذَا لا يمكن أبدًا، يعني لو تصوره الإنسان أدنى تصور لوجد أن العقل يدل دلالة قطعية عَلَى أنَّه لا بُدَّ من بعث ومجازاة وإلا لكانت الدّنيا كلها عَبَثًا، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧)} [ص: ٢٧].
ألَسْنا نشاهد مَنْ يخالِفُنا فِي العمل، ومن يخالِفنا فِي الأخلاق، ومن يخالِفنا فِي العقيدة ونتألَّم من ذَلِك، لولا أن الله يسلي الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣)} [الشعراء: ٣]، وما أشبه ذَلِك مما يسليه بِهِ لتقطع قلبه - صلى الله عليه وسلم - نحن الآن نتألم لمن يخالِفنا فِي العقيدة ومن يخالِفنا فِي الأخلاق ومن يخالِفنا فِي الأعمال، هذَا الألم
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}، رقم (٧٥٥٩)، ومسلم: كتاب اللباس والزينة، باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا سورة، رقم (٢١١١).

الصفحة 319