كتاب تفسير العثيمين: الروم
يؤثر علينا ولكن يقول الله - عز وجل -: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النساء: ١٠٤]، لكن هناك فارق {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: ١٠٤].
فالحاصِلُ: أن هذَا الكونَ العظيم لا يمكن أنْ يكُونَ عَبَثَا هكذا يحيا ثمَّ يَكُون ترابًا، والله - عز وجل - يحيى الموتى لَيْسَ بني آدم فقط ولكن بنو آدم وغيرهم {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨)} [الأنعام: ٣٨]، {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥)} [التكوير: ٥]، وأخبر النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن البهائم يُقْتَصُّ من القَرنَاء لِلْجَلْحَاء (¬١)، حتى البهائم يقضى بينها وَلهذا نقول قوْله تَعالَى: {الموتى} لا يختص بالإنسان فقط بل بالإنسان وغير الإنسان.
ثم أكد إحياء الموتى بمؤكَّدٍ آخر فِي الجملة الَّتِي بعدها وَهُوَ قوْله تَعالَى: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
إِذَنْ: فقد أُكِّد أحياء الموتى بمؤكديْن لفظييْن ومؤكديْن معنوييْن.
وقوْله تَعالَى: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} كل شيء الله قادر علَيْه بدون استثناء كل مَا تتعلق بِهِ القدرَة ويمكن أنْ يكُونَ قادرًا علَيْه، فإن الله تَعالَى قادر، عَلَى كل شيء قدير، لَيْسَ عَلَى مَا يشاء فقط بل عَلَى مَا يشاء وما لا يشاء، فهداية الكافر الَّذي مات عَلَى كفره الله قادر عَلَيْها، مَا شاءها وَهُوَ قادر عَلَيْها، فلا تختص قدرته بما شاءه، وَبِهذَا نعرف أن تعبير بعض النَّاس: (أنَّه عَلَى مَا يشاء قدير) أنَه لا ينبغي، بل قل كما قَالَ الله عن نفسه: {إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت: ٣٩]، وأما حديث الرّجل الَّذي يبعثه الله يَوْم القِيَامَة، ذكر القصة وفيها أن الله قَالَ لَهُ: "إنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِر" (¬٢)،
---------------
(¬١) أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم (٢٥٨٢).
(¬٢) أخرجه مسلم: كتاب الإِيمَان، باب آخر أهل النار خروجا، رقم (١٨٧).
الصفحة 320
358