كتاب تفسير العثيمين: الروم
فهذه لَيْسَ المُرَاد بِها وصف الله بالقُدرَة مطلقًا بل وصف الله بالقدرَة عَلَى هذَا الشّيء المعين الَّذي استبعده المخاطَب، فالله يقول قد شئته فأنا قادر علَيْه وَكَذلِكَ قوْله تَعالَى: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} فالقيد بالمشيئة هُنَا لَيْسَ عائدًا عَلَى القُدرَة لكِنَّهُ عائد عَلَى الجمع، الشّيء المعين يمكن أن تقيده بالقُدرَة، أمَّا إِذَا أردتَ وصف الله بالقُدرَة فلا تقيدها بالمشيئة، ففرق بَيْنَ أن تُعَلَّق القُدرَة بشيء معين خاص وبين أن تُذْكَرَ عَلَى سبيل الوصف العام لله، إِذَا كانت وصفًا عامًّا لله، فالله تَعالَى مَا ذكر قَيْدَ المشيئة أبدًا {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان: ٥٤]، {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب: ٢٧]، {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ٢٨٤]، وما أشبه ذلك.
والقُدرَة ضد العجز انظر إِلَى قوْله تَعالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (٤٤)} [فاطر: ٤٤]، وأتى بالعِلْم هُنَا لأَنَّ العاجز قد يعجز لعدم علمه بالشّيء، مهندس لكن فِيهِ روماتيزم لا يقدر أن يتحرك، قلنا لَهُ اصنع هذه السّيارة لا يقدر لأنَّهُ لَيْسَ عنده القُدرَة؛ لأنَّهُ عاجز لا يقدر أن يتحرك، وآخرُ نشيط يحمل الحجر الَّذي أكبر مِنْهُ لكِنَّهُ لا يعرف الصّناعة أبدًا قلنا لَهُ اصنع سيارة قَالَ لا أقدر؛ لعدم العلم، فانتفاء القُدرَة قد يَكُون لعدم العِلْم وقد يَكُون لعدم القُدرَة الحسية لَيْسَ عنده علم لَيْسَ عنده شيء يعني عاجزًا.
ذكر صاحب هذَا التّفسير هذَا فِي قوْله تَعالَى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٢٠)} [المائدة: ١٢٠]، آخر سورة المائدة، ذكر عبارة منكرة - والله أعلم - مَا أراد بِها سوءًا فقَالَ: [وخص العقلُ ذاتَه فليس عَلَيْها بقادرٍ]، يعني أن العقل يقتضي تخصيص ذات الله فالله لا يقدر عَلَيْهَا هذَا لَيْسَ بصحيح بل الله عَلَى كل شيء قدير وَبهذا الله تَعالَى استوى عَلَى العرش بفعله وقدرته، ينزل إِلَى السّماء الدّنيا، يأتي
الصفحة 321
358