كتاب تفسير العثيمين: الروم

عَلَى مَا حَيِى بالماء الَّذي نزل من السَّماء؛ لأنَّهُ تقدم قوْله تَعالَى: {كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}، يعنى: ولئن أرسلنا رِيحًا فرأوا هذَا الَّذي حَمِى مصفَرًّا يعني يابسًا حطيمًا بهذه الرّياح {لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ}.
نقرأ كلام المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: [{وَلَئِنْ} يقول لام قسم {أَرْسَلْنَا رِيحًا} مُضِرَّةً عَلَى نباتٍ {فَرَأَوْهُ}]، الضّمير يعود عَلَى النّبات ثمَّ قَالَ - رحمه الله -: " [{مُصْفَرًّا لَظَلُّوا} صاروا جوابَ القسم {مِنْ بَعْدِهِ} أي من بعد أي بعد اصفراره {يَكْفُرُونَ} يَجْحَدُونَ النّعمَةَ بِالمَطَر]، يعني أن الله - عز وجل - إِذَا أحيا الأرض بعد موتها وأرسل عَلَيْها ريحًا فاصفر النّبات وبعد اصفراره سيتلف امتحانًا مِنْهُ جَلَّ وَعَلَا لكانوا من بعد هذَا الاسْتِبْشَار وبعد أن رأوا آثار الرّحمة صاروا يَكْفُرُونَ {لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ} يقُولونَ: كَيْفَ هذَا يأتي المطر وينزل وتحيا الأرض ثمَّ تأتي هذه الرّيح فتهلكه فيَكْفُرُونَ - والعياذُ باللهِ - وينسون نعمة الله السّابقة، وَهذا من الامتحان وَهُوَ داخل فِي قوْله تَعالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} [الحج: ١١]، وكان عَلَيْهِم إِذَا أرسل الله هذه الرّيح واصفر النّبات بِها كَانَ عَلَيْهِم أن يقابلوا ذَلِك بالصَّبر لا بالكفر، بالصّبر عَلَى هذه البلية فإن الصّابر يوفى أجره بِغَيْر حسابٍ، وربما تزولُ هذه المحنة إِلَى نعمة أُخْرَى لأَنَّ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالىَ يقول: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: ١٢٦]، ويقول: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} [محمد: ٣٦]، ويقول: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: ١٨٦]، فالمُؤْمِنُ يصبر عند البلاء ويشكرُ عند الرَّخاء.

الصفحة 327