كتاب تفسير العثيمين: الروم
هل وَجَدتُم مَا وَعَدَ ربكم حَقًّا؟ فَإنَّا قَدْ وَجَدنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنا حَقًّا" فقال عمر: يا رسول الله مَا تخاطب من قوم قد جَيَّفُوا يعني كَيْفَ تخاطب الجِيَفَ، موتى، فقَالَ: "مَا أنتُم بِأَسْمَعَ لمَا أقولُ مِنْهُم" (¬١)، يعني هم يسمعون أشد من سماعكم، فإذًا ثبت أن الموتى يسمعون، وَكَذلِكَ صحيح ابن عبد البَرِّ رَحَمَهُ اللَّهُ حديثًا ورد عن الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ "أنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَى مَيِّتٍ كَانَ يَعرِفُهُ فِي الدُّنْيَا إِلَّا رَدَّ الله عَلَيْهِ رُوحَهُ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ" (¬٢)، وَهذا ذَكَرهُ ابْنُ القَيِّمِ فِي كتاب الرُّوح (¬٣)، وذكر تصحيح ابن عبد البَرِّ لَهُ ولم يتعقبْه، وَعَلَى هذَا فهم يسمعون لكنهم لا ينتفعون بِهذا السّماع، ووردت آثار أيضًا عن الصّحابة فِي هذَا الأمر ذكرها ابن كَثِيرٍ عند هذَا الآية، وثبت أيضًا فِي الصّحيح: "أنَّ الإِنْسَانَ إِذَا انْصَرَفَ عَنْهُ أصْحَابُهُ بَعدَ الدَّفْنِ حَتَّى إِنَّه لَيَسْمَعُ قرعَ نِعَالهم أتاهُ مَلَكَانِ يَسْمَعُ قرعَ نِعَالهِم" (¬٤)، عَلَى الأرض كما يمشي الإنسان عَلَى السّقف فيسمع مشيه عَلَى السّقف وَهذا أيضًا يقول يسمع قرع النّعال، ولكن الله تَعالَى يجعلهم يسمعون ذَلِك.
فالحاصِلُ: أننا نقول كل هذَا يؤيد أن المَعنَى {فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} يعني سماعًا ينتفعون بِهِ ومعلوم أن الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - مَا دعا الموتى، مَا ذهب إِلَى القبور يدعوهم،
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل، رقم (٣٩٧٦)، ومسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، رقم (٢٨٧٥).
(¬٢) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (١٠/ ٣٨٠، رقم ٢٥٩٢).
(¬٣) كتاب الروح لابن القيم (ص: ٥)، ط. دار الكتب العلمية.
(¬٤) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، رقم (١٣٧٤)، ومسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، رقم (٢٨٧٠).
الصفحة 329
358