كتاب تفسير العثيمين: الروم

ولكن الَّذِين يدعوهم من الأحياء كالموتى لا يستجيبون ولا ينتفعون بالدّعوة.
قوْله تَعالَى: {الصُّمَّ} مفعولٌ أول، و {الدُّعَاءَ} مفعولٌ ثانٍ أمَّا {لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}، الأولى فقد حذف المفعول الثّاني لأَنَّ هذَا فَضْلَةٌ وقد سبق أنَّه يجوز حذف الفَضْلَةِ ولو بلا دليل.
قوْله تَعالَى: {الصُّمَّ} جمع أصم وَهُوَ الَّذي لا يسمع، الَّذي لا يسمع لا تستطيع أن تسمعه لا سِيَّما إِذَا اقترن بِهِ الإدبار {إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} وَهذا أشد مَا يَكُون انتفاء السّماع عن الأصم، فَهُوَ لا يسمع ولو كَانَ مقابلًا لك، فيكف إِذَا أدبر؟ ! يَكُون أعظم وأعظم، وَبهذا فالأصم إِذَا كَانَ أمامك ودعوته بصوتٍ ربما يسمع لكن إِذَا ولى مهما دعوته لا يسمع إِلَّا إِذَا أدركته فمسكته، فالصّم إِذَا ولوا مدبرين لا يسمعون وَإنَّمَا قَيَّدَ الله عَزَّ وَجَلَّ الصّم بهذه الحال لأنَّها هِيَ الحال الَّتِي لا يسمعون بِها مطلقًا بخلاف مَا إِذَا كانوا أمامك فإنهم قد يسمعون ويستدلون عَلَى مَا تقول بحركات شفتيك.
قوْله تَعالَى: {وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} قَالَ المُفَسِّر - رحمه الله -: [بِتَحقِيقِ الهمزَتَيْنِ وَتَسْهِيلِ الثَّانِيَةِ بَيْنَها وَبَيْنَ اليَاءِ]، {الدُّعَاءَ إِذَا} هذَا تحقيقٌ. وتسهيلُ الثَّانية بينها أي بَيْنَ الهمزة المحققة وبين الياء، أي: {وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا} تجعلها بَيْنَ الهمزة وبين الياء والقراءتان سَبْعِيّتَانِ (¬١).
---------------
(¬١) النشر في القراءات العشر (١/ ٣٨٦).

الصفحة 330