كتاب تفسير العثيمين: الروم

تَفْنى السّموَاتُ وَالأرْض وما بَيْنَهُما عنْدَ انتهاءِ هَذا الأجَلِ، ثمَّ يأْتِي البعثُ.
قوُله رَحِمَهُ اللهُ: [{وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} أي كُفَّار مكَّة]: خصَّه المُفَسِّر بأَهْلِ مكَّةَ، والصّوابُ العُمُوم، فيَشْمَلُ أهْلَ مكَّةَ وغيْرَهم، فَكثِيرٌ مِنَ النّاسِ يُنْكِرُونَ البعْثَ، بلْ يُمْكِنُ أنْ نَجِد في غيرِ أهْلِ مكَّةَ مَنْ هُم أشَدُّ منْهُم إنْكارًا للْبَعْثِ، فتَخْصِيصُ العامِّ في القرآنِ أمْر لا يَنْبَغِي إلا إِذَا قَامَ الدّلِيلُ عَلَى هَذا.
وقوْله تَعالَى: {بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ}: اللِّقَاءُ بمعْنَى المواجَهَةِ والمقابَلَةِ، وكُلُّ إِنْسَانٍ سواءٌ مؤمنًا أو كافِرًا سوْفَ يَلْقى الله عَزَّ وَجَلَّ؛ {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: ٦]؛ لأنَّهُ قالَ: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ} وَهَذا عَامٌّ، ثمَّ قالَ بعدَ قوْله تَعالَى: {فَمُلَاقِيهِ (٦) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الانْشِقاق: ٦ - ٧]، {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} [الانْشِقاق: ١٠]، فدَلَّ هَذا عَلَى أنَّه عامٌّ، فكُلُّ أحدٍ ملاقٍ الله عَزَّ وَجَلَّ، وسوْفَ يحاسِبُه، ولكِنَّ حِسابَ الله للنَّاسِ يخْتَلِفُ، فالمؤْمِنُ يُقرِّرُه الله بذُنُوبِه، فَإِذا أقَرَّ بِها غَفَر لهُ، وأمَّا الكافِرُ - والعياذُ باللهِ - فإِنَّهُ يُخْزَى بِها ويُعاقَبُ علَيْها، وَيكُونُ هوانًا لَهُ.
والكفْرُ في اللُّغَة السّتْرُ، ومنْه سُمِّي الكفُرَّى الَّذي هُو كافُورُ النّخْل - غُلاف الطّلْع -؛ لأنَّهُ يسْتُرهُ والمرَادُ بالكفْر سَتْرُ نعمةِ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى المرْءِ بحَيْثُ يَعْصِيهِ إِذا أمَرَه ويجْحَدُه إِذا طلَبَ مِنْه الإِيمَان، وأنْوَاءُ الكفْر كثِيرَةٌ:
منْهَا: الكفْر المخْرِجُ عَن الملَّةِ.
ومنْها: الكفر أَي: خِصالُ كَفْرٍ، وليْس الكفْر المطْلَقِ.
وَهَذا يَرْجعُ إِلَى حَسَبِ النّصُوصِ الشّرْعِيَّةِ.
فَائِدَةٌ: الَّذي لَا يَعْمَلُ بمقْتَضَى إيمانِه فَوُجودُ إِيمَانِهِ كالعدَمِ؛ لأَنَّ الكفْرَ نَوْعَانِ:

الصفحة 43