كتاب تفسير العثيمين: الروم

الفائِدَةُ الثّانِيةَ عَشْرَةَ: أنَّ نفسَ الإنسان عنْدَه أمانَةٌ؛ تُؤخَذُ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجلَّ: {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، فأثْبَتَ الله تَعالَى ظُلْمَ الإنسان نفسَه، ولو كانَتْ غيْرَ أمانَةٍ لكَان غيرَ ظالم؛ لأنَهُ يتصرَّفُ ويتحَكَّمُ، لكنَّها أمانَة عنْدَهُ يَجِبُ علَيْه أن يَرْعاهَا حقَّ رعايَتها، وَهذا قَالَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِنْفَسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا" (¬١)، وَهَذا كَما يشْمَلُ إعْطَاءَ النّفْسِ راحَتَها يشْمَلُ إِعْطَاءَ النّفْسِ حقَّها مِنَ العبادَةِ فَلا تُهْمِلْها، والإنسان فِيه ثلاثَةُ أنْفُسٍ: أمَّارَةٌ، ومطمَئِنّةٌ، ولوَّامَةٌ.
أمَّا المطْمَئِنَّةُ: فهِيَ التي تأمُرُه بِرِضَى الله.
وأمَّا الأمَّارَةُ بالسّوءِ: فهِيَ التي تأمُرُه بمعْصِيَةِ الله.
وأمَّا اللَّوَّامَةُ: فَهِي التي تلُومُه، سواءٌ لامَتْه عَلَى ترْكِ الشّرِّ فهذِه مِنَ النّفْسِ الأمَّارة التي تقولُ لَهُ: لماذا لَمْ تذْهَبْ مَع هَؤُلاءِ تشْرَبُ الخمْرَ وتَزْني وتُقامِرُ إِلَى آخرِه، فتَلُومُه عَلَى ما تَركَ من فِعْل السّوءِ، فهذِه تكونُ مِن الأمَّارة بالسّوءِ، وكذَلِك تُوجدُ نفْس لوَّامَة تلُومُهُ عَلَى فِعْل الشّرِّ وتَرْكِ الخيْرِ، وهَذِه هِي النّفْسُ المطْمَئِنّة.
فَفِي الإنسان ثَلاثُ أنْفُسٍ، كَما ذكرَ الله تَعالَى، وكُلُّ إِنْسَانٍ لابدَّ أنْ يكُونَ لَدَيْهِ هَذِهِ الأنفُسُ، وهِي فَي الحقِيقَةِ أوْصَافٌ وإلَّا فنَفْس العقْل أوِ التّفكِيرُ واحِد، الإنسان يُوجَدُ فِيه الجميعُ، يحسُّ مِن نفسِه أحْيانًا بما يأْمُرُه بالمعْصِيَةِ، ويحسُّ أحْيانًا بما يَعْمَلُ مِنَ الخْير، ويحسُّ أحيَانًا بما يَلُومُهُ.
ويُنْظَرُ أيُّهما التي تغْلِبُ، فَمِن النّاس مَن تغْلِبُه نفْسُهُ الأمَّارَةُ، وَمِنَ النّاسِ مَنْ تغْلِبُه المطْمَئِنّة، لكِنِ ابْتداءً خَلَق الله فِيه هَذِهِ القوى، فهَذِه القوَى النّفسِيَّةُ مخْلُوقَة في الإنسان.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب صنع الطّعام والتّكلف له، رقم (٦١٣٩).

الصفحة 61