كتاب تفسير العثيمين: الروم

{إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}، أي نصْفِه، وهُو شِدَّةُ ظلْمَتِه، وَذَلِكَ عنْدَ انتِصافِه؛ لأَنَّ أشدَّ ما يَكُون اللَّيلُ ظلْمَةً إِذا انْتصفَ، لأَنَّ نصفَ اللَّيْل هُو أبْعَدُ مَا تكُون الشّمْسُ عَن سطْحِ الأرْضِ، ويدْخُل في هَذا - مِن زَوالِ الشّمْسِ إِلَى نصْفِ اللَّيلِ - أرْبَعُ صلَواتٍ: الظّهرُ والعصْرُ والمغْرِبُ والعشاءُ ثمَّ قالَ: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} فَفَصَلَه والمرَادُ بِه صلاةُ الصّبحِ، وفَصْلُه عمَّا قبْلَه يدُلُّ عَلَى أنَّ وقْتَ العشاءِ ينتهي بنِصْفِ اللَّيْلِ، وَهَذا هُو الَّذي دلَّتْ علَيْهِ السّنّة أيْضًا، ومَنْ قَال أنَّه ينتهِي بِطُلوعِ الفجْر فلَا دَلِيلَ لَه، وهَذِه المسألَةُ ينْبَنِي علَيْها مَا لو طَهُرت المرْأَةُ في نصْفِ اللَّيلِ الثّاني هَلْ يلْزَمُها صلَاةُ العشَاءِ؟ فعَلى قَوْل مَن يقُولُ إِنَّ وقْتَ العشَاءِ يمتَدُّ إِلَى طُلوعِ الفجْر يلْزَمُها العشَاءُ، وَكَذلِكَ المغْرِبُ أيْضًا، وعَلى القوْل الرّاجِح لا تلْزَمُها صَلاةُ العشَاءِ لأَنَّ صلاةَ العشَاءِ إِلَى مُنتصَفِ اللَّيلِ.

من فوائد الآيتين الكريمتين:
الفائدة الأولى: رحْمَةُ الله تَعالَى بعِبَادِه؛ حيْثُ علَّمَهُم مَا فِيه مصْلَحَتُهم.

الفائدة الثانية: أنَّ الصّلاةَ تسْبِيحٌ وتنْزِيهٌ للهِ؛ لأَنَّ الله أطْلَقَ علَيْها اسْمَ التّسْبيحِ.

الفائدة الثالثة: وُجوبُ التّسبيحِ في الصّلاةِ؛ لأنَّ القاعِدة أنَّه إِذا أُطْلِق عَلَى العبادَةِ جُزْءٌ منْهَا دَلَّ ذَلِك عَلَى أنَّ هَذا الجزْء مِن وَاجِباتِها، وأَنَّه لا بُدَّ منْهُ فِيها.

الفائدة الرابعة: بَيان الأوْقَاتِ الخمْسَةِ مفصَّلَةً؛ لقوْلِه تَعالَى: {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}.

الفائِدَتانِ الخامِسَةُ والسّادِسَةُ: أنَّ المسَاء يُطلَقُ عَلَى أوَّلِ اللَّيلِ، فإنَّ قوْله تَعالَى: {حِينَ تُمْسُونَ} يدْخُل فِيه المغْرِبُ والعشَاءُ، وقَدْ يُؤْخَذُ مِن هَذا جَوازُ رَمْيِ الجمَراتِ

الصفحة 93