كتاب تفسير العثيمين: القصص

الآية (١٥)
* * *

* قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} [القصص: ١٥].
* * *

قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَدَخَلَ} مُوسَى {الْمَدِينَةَ} مَدِينَةَ فِرْعَوْنَ -وَهِيَ مَنْفُ- بَعْدَ أَنْ غَابَ عَنْهُ مُدَّةً {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} وَقْتِ الْقَيْلُولَةِ {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ} أَيْ إِسْرَائِيليٌّ {وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} أَيْ قِبْطِيٌّ يُسَخِّرُ إِسْرَائِيلِيًّا لِيَحْمِلَ حَطَبًا إِلَى مَطْبَخِ فِرْعَوْنَ {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} فَقَالَ لَهُ مُوسَى خَلِّ سَبِيلَهُ. فَقِيلَ: إِنَّهُ قَالَ لمُوسَى: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَحْمِلَهُ عَلَيْكَ {فَوَكَزَهُ مُوسَى} أَيْ ضَرَبَهُ بِجَمْعِ كَفِّهِ، وَكَانَ شَدِيدَ الْقُوَّةِ وَالْبَطْشِ {فَقَضَى عَلَيْهِ} قَتَلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ قَصَدَ قَتْلَهُ، وَدَفَنَهُ فِي الرَّمْلِ {قَالَ هَذَا} قَتْلُهُ {مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} المُهَيِّجِ غَضبِي {إِنَّهُ عَدُوٌّ} لِابْنِ آدَمَ {مُضِلٌّ} لَهُ {مُبِينٌ} بَيِّنُ الْإِضْلَالِ].
كان هذا الدُّخُوُل بَعْدَ بُلُوغِ الْأَشُدِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ ذِكرًا فهو مُتقدم وُقوعًا وعملًا، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وُقوعًا إِنْ كَانَ فِي الْأَخْبَارِ، وعملًا إِنْ كَانَ فِي الْأَحْكَامِ.
ولهذا أقبل النَّبيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ عَلَى الصَّفَا، وقال: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ

الصفحة 69