كتاب تفسير العثيمين: العنكبوت

حتى نُصَدِّقَه ويَتَبَيَّنُ لنا صِدقه.
وقول المُفَسِّر: [آيَاتٌ كنَاقَةِ صَالحِ وعصَا مُوسى ومائِدَةِ عِيسى]: هذه آياتٌ حِسِّيَّةٌ وهم طلبوا ذلك تَعَنُّتًا وإلا فقد جاءَهُم مِنَ الآيات الحسِّيَّةِ والمعْنوِيَّةِ ما هو أعظمُ، فقد أراهُم النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- انشقاقَ القَمرِ (¬١)، ولقد أخبرهم بما رأى ليلةَ الإسراءِ والمعراجِ (¬٢)، فهذه الآيات من جِنْسِ ما طَلَبُوا، لكن كما قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: ٩٦ - ٩٧]، وكلُّ إنسانِ مُتَعَنِّتٍ لا يمكن أن يَقْبلَ؛ لأن من قَصْدُه الحقُّ يكْفِيه الآيةُ التي تدُلُّ على صدْقِ ما قال صاحبها، أما المتَعَنِّتُ فلو جاءته آية لقال: أنت ساحرٌ، نُرِيدُ غيرها.
وقَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [كنَاقَةِ صَالِحٍ]، هذه الناقةُ كانت تَشْرَبُ الماءَ يومًا ويُشرَبُ لبَنُها يومًا، ولبَنُها يكْفي القبيلَةَ، قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: ١٥٥]، أما ما ذُكِرَ من الإسرائيليات من أنها خَرَجَتْ مِنَ الحجَرِ وما أَشْبه ذلك -فاللَّه أعلم- به.
وعصَا مُوسى آية مِنْ وجوهٍ متَعَدِّدَةٍ:
منها: أنه إذا ألقَاهَا كانت ثُعبانًا عظيمًا.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب سؤال المشركين أن يريهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- آية. . .، رقم (٣٤٣٨)؛ ومسلم: كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب انشقاق القمر، رقم (٢٨٠٢) عن أنس، واللفظ لمسلم: "أن أهل مكة سألوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر مرتين".
(¬٢) انظر: معجم أبي يعلى الموصلي (ص: ٤٥)، وسيرة ابن هشام (٢/ ٢٤٨)؛ والكامل في التاريخ (١/ ٥٨١)؛ والبداية والنهاية (٣/ ١١٠)؛ وتفسير البغوي (٣/ ٩٦)، وروح المعاني (١٥/ ٦).

الصفحة 284