كتاب تفسير العثيمين: العنكبوت

ولهذا احَتَجَّتْ عائشةُ -رضي اللَّه عنها- على عَمْرَة بنتِ رَواحَةَ لما سألتها: ما بالُ الحائضِ تَقْضِي الصومَ ولا تَقْضي الصلاةَ؟ فقالت: أحَرُورَيةٌ أنت؟ قلت: لَسْتُ بحَرُورَّيةٍ ولكني أسأل. قالت: "كان يُصيبنا ذلك، فنُؤمَرُ بقَضَاءِ الصَّومِ ولَا نُؤمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ" (¬١)، فإسنادُ الأمْرِ إلى اللَّه هو أعْظَمُ حُجَّةً وهو كافٍ في إبطالِ الشُّبَهِ.
الفَائِدةُ الثَّامِنة: إثباتُ قُدْرة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، لقوله: {إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ}؛ لأن الشيء لا يكون آية حتَّى يكون خارِقًا للعادَةِ، فلو جاء رَسُولٌ إلى الناسِ فقَالُوا: نريدُ آية فقال: سآتِيكُمْ بآية، وكان ذلك في وقتِ الاعْتَدالِ الرَّبِيعِيَّ فقال: آيتي أن تَطْلع الشمسُ الساعة الثانية عشرة وتَغِيبَ الساعَة الثانية عشرة (¬٢)، فهذه ليست بآية؛ لأن العادةَ هكذا، فلا بُدَّ أن تكون الآيةُ مخالفة للعَادَةِ، فإذا أجْرَى اللَّه الأمر على خلافِ العادَةِ دلَّ ذلك على قدرْتهِ جَلَّ وَعَلَا.
الفَائِدةُ التَّاسِعة: الردُّ على أهل الطَّبِيعَةِ الذين يقولون: إن الكونَ طَبيعَةٌ مُنظِّمةٌ لنفسها بنفسها، وأنها عبارة عن مقَدِّمَاتٍ ونتائجَ يُنتِجُ بعضها من بعْضٍ، لقوله: {إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ}، فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذي يُدِّبرُ الكون ويأتي بالآياتِ الدَّالَّةِ على كمالِ قُدْرتهِ وسُلطانِهِ.
الفَائِدةُ الْعاشِرَة: أن رسولَ اللَّهَ -صلى اللَّه عليه وسلم- وظيفَتُه الإنذارُ لا الهِدَايةُ، لقوله: {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}.
الفَائِدةُ الحَادِيةَ عشْرَةَ: أن الرسولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يَمْلِكُ أن يأْتِيَ بآيةٍ إلا مِنْ عندِ اللَّه،
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب الحيض، باب لا تقضي الحائص الصلاة، رقم (٣١٥)؛ ومسلم: كتاب الحيض، باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة، رقم (٣٣٥) عن عائشة.
(¬٢) هذا على حسب التوقيت الغروبي لا الزوالي.

الصفحة 289