فلا تَفُوتُونَا]، وهو كذلك، لكنه عبَّرَ بالعملِ نَفْسِهِ لأنه السببُ، ولأن الجزاءَ مِنْ جِنْسِهِ.
من فوائد الآيات الكريمة:
الفَائِدةُ الأُولَى: سَفَهُ هؤلاءِ الكفَّارِ، فإن الإنسانَ إِذَا وُعِدَ بالشيءِ فإن العَقْلَ والرُّشْدَ يقْتَضِي ألا يسْتَعْجِلَ به لقولِهِ: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ}، ولهذا قال مؤمنُ آل فرعونَ لقومِهِ: {وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} [غافر: ٢٨].
الفَائِدةُ الثَّانِية: أن هؤلاءِ الكُفَّارِ قومٌ عُتَاةٌ معانِدُونَ، ولهذا تَحَدَّوُا الرُّسُلَ باستِعْجالهِم العذابَ، لقوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ}.
الفَائِدةُ الثَّالِثة: إثباتُ حِكْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وأنها غايةٌ في الكَمالِ، لقوله: {وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ}. فلولا الحكمةُ لعُوجِلُوا بالعَذابِ لاستِعْجالهم به، ولكن الحكْمَةَ تقْتَضِي عدمَ ذلكَ.
وانظر إلى غايةَ الحِكْمَةِ الإنسانيةِ في قولِ الرَّسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لملكِ الجبالِ لما قال له: إن شئتَ أنْ أُطْبِقَ عليهم الأخشَبَين؟ فقال النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا" (¬١)، ما ظنُّكَ لو أن مِثْل هذا وقعَ لأحدِ النَّاسِ، قومٌ كذَّبُوه وأخْرجُوه من بَلَدِه ثم رجَعَ من البلدِ الآخَرِ على نفس الحال، مقْتَضَى الطبيعةِ البشرية إذا جاء من يُمَكِّنُكَ منهم ويقول:
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم: آمين، والملائكة في السماء. . .، رقم (٣٠٥٩)؛ ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من أذى المشركين والمنافقين، رقم (١٧٩٥) عن عائشة.