قوله: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} هذه الجملَةُ مُؤَكَّدَةٌ بـ (إن) و (اللام).
و(مَعَ): مِن النَّحويِّين من يَرَى أنها اسمٌ وهو الصحيحُ، ومنهم من يَرَى أنها حرف، وفيها لغتانِ: الفتحُ وهو الأكثر، والتَّسْكِينُ.
قال ابن مالك رَحِمَهُ اللَّهُ (¬١):
وَمَعَ مَعْ فِيهَا قَلِيلُ وَنُقِلْ ... فَتْحٌ وَكَسْرٌ لِسُكُونٍ يَتَّصِلْ
الشاهد: ومَعَ مَعْ فيها قَلِيلٌ.
فالحاصل: أن (مَعَ) ظرف وهي اسمٌ؛ لأنها لا تُضَافُ إلا إلى الأسماءِ، فهي ظرفٌ منْصُوبٌ على الظَّرْفِيَّةِ لأنها تَدُلُّ على الصُّحْبَةِ، و (مَعَ) مضاف و {الْمُحْسِنِينَ} مضاف إليه.
وقوله: [{وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} المؤمِنِينَ بالنَّصْرِ والعَوْنِ]: هذا تفسيرٌ ناقِصٌ؛ لأن المحسنين أخَصُّ مِنَ المؤمنين، ولهذا قال النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "الْإِيماَنُ أَنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. . . " إلخ، ثم قال: "الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّه كَأَنَّكَ تَرَاهُ" (¬٢) فكُلُّ مُحْسِنٍ إحسانًا شَرعيًا ليس عادِيًّا فهو مُؤمِنٌ ولا عَكْسَ.
وقولنا: (إحْسانًا شرعيًا) احتِرَازًا من الإحسانِ العادي؛ لأنه يَقَعُ حتى مِنَ الكافِرِ، لكن الإحسانَ الشَّرعِيَّ هو الذي فَسَّرَهُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بقوله: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّه كَأَنَّكَ ترَاهُ"، فالمحسنُ أخَصُّ مِنَ المؤمنِ.
---------------
(¬١) البيت رقم (٤٠٩) من ألفيته.
(¬٢) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الإيمان والاسلام والإحسان وعلم الساعة، رقم (٥٠) عن أبي هريرة؛ ومسلم: كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الايمان بإثبات قدر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، رقم (٨) عن عمر بن الخطاب.