كتاب تفسير العثيمين: العنكبوت

فقال العالم: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: ٨٢]، لو أراد ذَلِك لفَعَلَهُ.
مع أن الأخير يُنكَر حسبَ ما يَبْدو للناسِ أكثرَ مِنَ الأوَّل، والحاصلُ أن الإنسان إذا قَرأَ قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ولا يجوز أن يَقَعَ في نفسه استثناء شيءٍ من هذا العُموم، بل يكونُ على عُمومِهِ بدونِ تَفْصِيلٍ.

من فوائد الآية الكريمة:
الفَائِدةُ الأُولَى: الاستدلالُ بالمبدأ على المعَادِ؛ لقولِهِ: {كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ}.
الفَائِدةُ الثَّانِية: أنه يَنْبغِي للمستَدِلِّ أن يستَدِلَّ بالمُشَاهدِ على الغائِبِ لاقتناع الخصم بذلِكَ.
الفَائِدةُ الثَّالِثة: إثباتُ البَعثِ؛ لقولِهِ: {ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ}.
الفَائِدةُ الرَّابِعة: إثباتُ قُدرَةِ اللَّه؛ لقولِهِ: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}.
الفَائِدةُ الخامِسة: عُمومُ هذه القُدْرَةِ؛ قولِهِ: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}.
الفَائِدةُ السَّادِسَةُ: إثباتُ الأفعالِ الاختِيَارِّيةِ للَّه عَزَّ وَجَلَّ، فإنها مِنْ تمامِ قُدرَتهِ جَلَّ وَعَلَا، كالمجِيءِ والنُّزولِ والاستِواءِ على العَرْشِ والضَّحَكِ والعَجبِ وما أشبه ذلك.
الفَائِدةُ السَّابِعةُ: خَطَأُ مَنْ قال: خَصَّ العقلُ ذاتَه فليس عليها بقَادِرٍ، وقد بيَّنَّا أنه ليسَ بصحيحٍ، وقلنا: إن هذا مذهبُ الذين يُنْكِرُونَ قِيامَ الأفعالِ الاختيارية باللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وهذا لا شَكَّ أنه يَرُدُّه الكِتابُ والسُّنَّةُ وإجماعُ السَّلَفِ، وهذا مما نَبَّهنَا عليه وإن كان ليس داخلًا في مَضمونِ الآيَةِ.

الصفحة 87